Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
شريـف قـنديـل

الأمم المتحدة.. مصارحة أم مصارعة حرة؟!

إضاءة

A A
جاءت الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة «هايد بارك»، يتحدث فيه كل زعيم فيما يشاء وعما يشاء، متحملا سهام النقد بل السب العلني بالأم والأب! لقد بات من الثابت أنه اعتبارا من دورة 2017، سيحبس العالم أنفاسه ليس انتظارا لقرارات تخص السلام العالمي، وإنما انتظارا لما ستسفر عنه المشاجرات بين قادة العالم!

لقد زاد من عبثية الدورة اعتماد مجلس الأمن الدولي على هامشها -هامش الجمعية العامة- القرار رقم 2379 حول محاسبة تنظيم داعش عن الجرائم التي ارتكبها في العراق، «والتي قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية»!

وقال إبراهيم الجعفري، وزير الخارجية العراقي مرحبا بصدور القرار: «إنه انتصار للعدالة الإنسانية».. إن أقل ما يقال هنا للوزير العراقي، «نوّرت المحكمة يا إبراهيم»!

دعك من الجعفري، ومن روحاني، بل من خامئني نفسه! ودعك من ري ونج هو ومن كيم كونج أون نفسه، ومن مجلس النواب اللبناني ومن بري ومن عون نفسه.. وتأمَّل معي!

ماذا لو أن داعش «ذات نفسه» وليس العميان أو الدواعش الصغار، تكلم؟! ماذا لو حكى عمَّن أسسه، ومن علَّمه وربَّاه، ومن درَّبه وصقله، ومن كبَّره وقوَّاه، ومن دعمه وموَّله، ومن تبنَّاه وأطلقه؟!

أخشى والحال كذلك، أن ينتحر قاضي قضاة مجلس الأمن الدولي في نهاية المحكمة من هول ما سيستمع!

****

في بداية الملهاة أو المأساة، وفي أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كوريا الشمالية بتدميرها بالكامل، قائلا: إن «الدول المارقة» تُشكِّل تهديدا «لباقي الأمم ولشعوبها نفسها ولديها أكثر الأسلحة قدرة على التدمير» في العالم!

هنا وجدها زعيم كوريا الشمالية، كيم كونغ أون فرصة لأن يقول: ترامب، أقنعني بأنني كنت على حق في تطوير أسلحة لصالح بيونغ يانغ، مضيفا أنه -ترامب- سيدفع ثمنا غاليا» بسبب خطابه الأخير الذي ألقاه في الأمم المتحدة!

على أن المأساة لم تنتهِ إلى هنا، فقد خرج وزير الخارجية الكوري، ري ونغ هو، يصف خطاب ترامب، بأنه «صوت ..ينبح».

****

في هايد بارك الأمم المتحدة، قال الرئيس ترامب: إن «الاتفاق مع إيران كان من جانب واحد، وهو مخرج لنا».. هكذا حمل الرئيس الأمريكي الحالي الرئيس الأمريكي السابق مسؤولية الاتفاق.. صحيح أنه كال الشتائم للنظام الإيراني الذي «عزز ديكتاتورية الأسد وقاد إلى الحرب في اليمن، وأنه يستخدم ثروات شعبه في تمويل حزب الله» وهذا كله صحيح، لكن أوباما وقَّع على الاتفاق، وهو في كامل قواه العقلية!

لقد زاد من عبثية المشهد مهاجمة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ليس فقط لخطاب ترامب، وإنما للرئيس الإيراني حسن روحاني، «الذي لم يتحرَ الدقة الكافية قبل التوقيع»، ومحملا إياه مسؤولية ما يعتبره المجتمع الدولي خرقا للاتفاق النووي! هكذا اكتمل المشهد.. ترامب ينتقد أوباما.. ومرشد إيران ينتقد رئيسها!

****

وفي بيروت أبى لبنان حكومة وشعبا ألا يغيب عن الساحة -ساحة الهايد بارك- فقد تصدَّى مجلس النواب، فضلا عن الرئيس عون مرورا بالرئيس الحريري لرؤية ترامب الخاصة بتوطين اللاجئين.. وفي ذلك قال ترامب: «إنه بكلفة توطين لاجئ في الولايات المتحدة، يمكننا مساعدة عشرة لاجئين في مناطقهم».

لقد انتظر عون أربع وعشرين ساعة حتى جاء موعد كلمته، ليعلن «أنّ لبنان لن يسمح ولن يقبل بتوطين اللاجئين أو النازحين مهما كان الثمن، والقرار في هذا الشأن يعود لنا لا لغيرنا».

****

من حسن الحظ أو من حسن التنظيم، أن كل رئيس يتحدث على منصة الأمم المتحدة، لا يبدأ قبل أن يغادر الرئيس أو الزعيم، الذي سبقه في التحدث، أروقة القاعة، وإلا لكنا سمعنا وشاهدنا جولات في الملاكمة أو الجودو أو المصارعة الحرة من أجل أن يعم السلام ربوع العالم!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store