Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

أعاصير أمريكا.. وشرقنا المكبل بالعجز

A A
بتاريخ ٢٥ نوفمبر ٢٠٠١، وأثناء التدخل الأمريكي في أفغانستان، ضرب شواطئ الولايات المتحدة إعصار أولغا القوي، الذي يحدثُ مثله كلَّ عام.. وفي نفس اليوم كتب أحدهم في بعض منتديات الحوار العربية، موضوعًا بعنوان: (من آيات الله: عواصف وأعاصير في أمريكا)، بدأه مخاطبًا المشاركين بعبارة تقول: «رجاءً من حزب أمريكا ألا يتدخل، ودعونا نفرح بما يحلُّ بهم من مصائب»! قفزت إلى الذهن تلك العبارة، التي سجلتُها بأرشيفي يومها، لحظة السماع بإعصار هارفي منذ ثلاثة أسابيع، وهو أول إعصارٍ كبير يضرب أمريكا هذا العام.. ولم تمرَّ ساعاتٌ إلا وامتلأ فضاء وسائط الاتصال الاجتماعي العربي بتعليقات مماثلة، تصرخ في وجهنا جميعًا أن القليلَ تغيَّر بعد أكثر من عقدٍ ونصف.

الأدهى أن التعليقات لم تقف عند نقطة (الشماتة) بكارثةٍ تصيب أناسًا مدنيين منهم أطفالٌ وكبارُ سن، بل إنها تجاوزت ذلك إلى اعتبار الإعصار دليلًا على أن الله معنا، عليهم.. فحسب قول أحد المعلقين: «حالنا نحن العرب والمسلمين سيئٌ جدًا. لكن الله معنا على كل حال. انظر إلى مايفعله بالأمريكان في الولايات الجنوبية»!

كلما حصلت كارثةٌ بشرية في أمريكا، يشعر المرء بالأسى مرتين. مرةً حزنًا على الضحايا الأبرياء. ومرةً على شرقنا العربي المسلم المثقل بالأوهام.. هذا الشرق الذي ينتظر حلول مشكلاته وأزماته، من أي مكان. اللهم إلا من عند نفسه.. لافرق عند شرقنا، المُكبَّل بالعجز، من أين يأتي الحل.. من السماء أو من الآخر أيًا كان، طالما أنه سيأتي من (الخارج).. وطالما أنه سيأتي بشكلٍ سحري، دون اعتبار لعالم القوانين والأسباب.. المهمُّ عند شرقنا، المسلم على وجه الخصوص، هو أن النجاة والمخرج والحل، ستأتي جميعًا، حين تأتي، لـِ(أننا) الأخيار ولـِ(أنهم) الأشرار. لأننا المسلمون ولأنهم الكفار.. ليس مهمًا عند هذا الشرق الحزين وأهله أن يتحقق أحدٌ من مصداقية معادلة الأخيار والأشرار تلك.

من هنا. لايعود أمرًا ذا بال التفكيرُ في عدل الله ورحمته وحكمته. ولا في قوانينه وسننه، التي يؤكد كتابُهُ على ضرورة الأخذ بها مرةً بعد مرة. ولا تنتبه الملايين لخطورة دلالات (الاصطفاء العرقي) الكامنة في هذا الفهم. ولا مدى تضاربُ هذه الدلالات مع ذلك العدل وتلك الرحمة والحكمة.. المهم فقط هو أن تحمل بطاقة هوية تقول بأنك (مسلم)، وما عليك بعد ذلك إلا انتظار الفرج.. من السماء.. والمسلمون، كثيرٌ منهم، يرونه كلما ضربت كارثةُ الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص.. وما إن تخرج أمريكا من أزمتها العابرة، لايعودُ ممكنًا بالنسبة لهم فعل شيء سوى انتظار الضربة الأخرى، من السماء، دائمًا وأبدًا.

لاتحاول الكلمات السابقة إنكار القوانين التي يسير هذا الكون وفقها. على العكس من ذلك، تهدف إلى التذكير بشمولية تلك القوانين. وربما كان أحد جوانب أزمتنا هو تلك الانتقائية في رؤية قوانين الاجتماع البشري.. فواقعنا يبدو محاصرًا بين من ينتظرون أن (يتكفل) الله بأمريكا، بالطريقة سالفة الذكر. وبين من لايرون في مثل تلك الأحداث أي إشارة لعلاقةٍ ما، بين الأرض والسماء.

وفي حين يترقب الأوائل النصر المباشر من عند الله بالزلازل والبراكين والأعاصير، يقف الآخرون عند التفسير العلمي البحت لها، ويقفزون فوق أسبابها ونتائجها في كل مجال.. يتحالف الطرفان في الخلط بين قوانين التسخير وإشارات التذكير. حصلَ هذا الخلطُ كثيرًا في معرض قراءة الأحداث وتفسيرها، وسيظل يحصل ويتكرر، إلى أن ينتبه العقل العربي والمسلم، الذي يفكر بهذه الطريقة، من غفوته الطويلة.

قوانينُ التسخير هي قوانين وضعها خالق الكون، ليتحرك البشر على الأرض وُفقها، بحيث يتشكلُ الوجود الإنساني فيها بعيدًا عن العبثيّة والمصادفات، ويتطور بناءً على عالم الأسباب.. إنها قوانين تحكم الوجود الطبيعي الفيزيائي للأرض من جهة، وتحكم الاجتماع البشري عليها من جهة ثانية.. أما إشارات التذكير فهي أحداث تجري لأسباب معينة تتعلق بتلك القوانين، لكن فيها دومًا معاني خاصة، تهدف إلى العودة بالإنسان من الشذوذ إلى القاعدة، ومن العشوائية إلى السببية، ومن الفوضى إلى النظام.

من هنا، تأتي خطورة الخلط بين القوانين والإشارات، في معرض الحكم على المواقف والأحداث والمصائر.. ويَظهر ماهو أخطرُ حين يؤدي ذلك الخلط لترسيخ جملة اعتقادات تقليدية حول دور الإنسان في صناعة مصيره على الأرض.. ويؤدي، بالتالي، لتجذير مفاهيم التواكل والكسل والارتخاء.. وإلى القفز فوق منطق الأسباب، والتفكير في التغيير من خلال الخوارق والمعجزات.. وهذا كله يصبُّ في خانات التجهيل والتخدير والتزوير.

لم يمت أمريكيٌ واحد نتيجة إعصار أولغا عام ٢٠٠١، وتوفي ١٥ شخصًا في أمريكا نتيجة ١٤ إعصارًا عنيفًا هذا العام! ماذا تقول هذه الأرقام؟ خاصةً إذا قارناها، مثلًا، بأكثر من ١٧٠٠ ضحية سقطوا نتيجة المطر والفيضان في باكستان عام ٢٠١٠.

بقليل من الحسابات فيما يتعلق بالكوارث الطبيعية في هذا العالم، وخسائرها المادية والبشرية، سيبدو الاعتماد عليها، في مواجهة العالم، ورقةً خاسرةً بيد المسلمين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store