Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

مزايا العزلة الاجتماعية

A A
من الـموضوعات مـحلّ النقاش واختلاف وجهات النظر، عُزلة الشخص لنفسه عن التعامل مع الآخرين، ومدى تأثّره بـهذا السلوك بشكل إيـجابـي أو سلْبـي، وأهـمية العُزلة الاجتماعية النفسية ودلالاتـها السلوكية، والفرق بين العزلة والوحدة.

لن أتناول الـموضوع بتفصيلاتٍ يـُمكن الاطلاع عليها بسؤال «الشيخ جوجل»! إلا أننـي رغبت في الكتابة عنه لـما لـمَسته من اختلاط الـمفاهيم لدى بعضهم، وودت توضيح الفرق بين العُزلة والوحدة، فالعُزلة الـمقصودة هي سلوكٌ يـختار بـموجبه أحدُهم أن يتجنـّب التواصل مع الآخرين في مُـحيط مُـجتمعه قدْر الإمكان، ويلجأ بشكلٍ تلقائي اختياري إلى الابتعاد مؤقّتا أو بشكلٍ متكرر، عن التعامل مع البشَر حولَه إلا في أضيق الـحدود وعند الضرورة، واللجوء إلـى «صندوقه الفارغ»، الذي يشعر فيه بنوعٍ من الصّفاء الذهنـي والارتياح النفسي، كي يـُمارس تأمّلاته وهواياته وحرّيته الفكرية وسلوكيّـاته الشخصية ويُرضي رغَباته النفسية، بعيدًا عن تطفّلات البشر وتدخّلاتـهم ولغَطهم وحتى أصواتـهم وصخَبهم.

وهنا يأتـي الفرقُ الـجليّ بين العُـزلة والشعور بالوحدة، فالوحدة قسْرية تتميّز بشعورٍ مؤلـم مرير، وقد تكون مَرضيّة نتيجة عدم القدرة على التفاعل الطبيعي مع الـمُجتمع، وترتبط في كثيـر من الـحالات باضطرابات شخصية ونفسية.

تأتي العُزلة الاختيارية لتمنح الإنسان حقّه في الاختلاء بنفسه والـحديث معها، وأخذ وقتٍ مستقطعٍ من الارتباطات الاجتماعية لقضاء وقتٍ نوعي في «مـجال الراحة» والـحرية الشخصية، التي يـحتاجها كثيـر من الناس الأصحّاء، والتنعّم بـخصوصيته الفردية في مساحة حسيّة وفكرية يشعر فيها بأمانٍ وهدوءٍ نسبيـيـن، واستقرارٍ نفسي وتـحسّن في الـمزاج، بعيدٍ عن التوتر والقلق نتيجة الإلـحاحات الاجتماعية والـمسؤوليات الوظيفية.

من الـمهم مُلاحظة أن كثيـرًا من مُـمارسي سلوك العُزلة الـمُجتمعية، لا يعانون من اضطرابات السلوك الاجتماعي أو ضعف قدْراتـهم على التعامل السوي مع مـختلف فئات الناس، فمعظمهم يـمتلكون مهاراتٍ اجتماعية جيدة، لكنهم متأثرون نفسيًا من السّلوكيات السّلبية والأحداث غيـر الـمنطقية والـممارسات الاجتماعية الشاذة والاختلالات الفكرية الـمُنتشرة من حولـهم، فوجدوا في العزلة تطييبا لـخواطرهم، وشحذًا لـهمّتهم وقدراتـهم ودعمًا لإبداعاتـهم وابتكاراتـهم، وتـجنبًا لـمزيد من الأذى وخيبات الأمل نتيجة تعاملهم مع أصناف البشر، دون ضررٍ ولا ضرار.

وأختم بقولٍ يُـنسب لأستاذ علم الاجتماع الدكتور علي الوردي رحـمه الله: «كلّما كان الإنسان أكثر اجتماعيةً، كان أقلّ عبقرية وأكثر ابتذالًا».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store