Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

اليوم الوطني.. معانٍ ودلالات

رؤية فكرية

A A
معلوم تاريخيًّا أنّ الجزيرة العربية كانت في أواخر العهد العثماني مسرحًا للفوضى، ومرتعًا لكلّ صنوف التخلّف الحضاري والفكري والاجتماعي والسياسي، بما جعل الساحة مهيّأة لقائد يلمّ هذا الشّعث، ويضع حدًّا لحالة التردي التي كانت تشهدها المنطقة.. وهذا ما استشعره القائد المؤسّس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن- طيّب الله ثراه- بثاقب نظره، وسديد بصيرته، وقد هيّأته العناية الإلهية لهذا الدور أيّما تهيئة؛ بما احتشد في طوايا نفسه من صفات القائد بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معنى، من أناة، وحلم، وحزم، وعزم، وصبر وجلد، وتحمّل للمكاره، وفوق ذلك كلّه القدرة العالية على كسب محبّة النّاس، وأروي هنا ما سمعته شفاهةً عن كبار القوم في المدينة المنوّرة أنه عندما عقدت البيعة له في قصر السقّاف بمكة المكرمة، وكانت القبائل العربية حاضرة، أطلق سؤالًا مفاده: هل تحبونني يا «حرب»؟ فقام شيخ قبيلة الأحامدة عسّاف بن جزا الأحمدي وقال له: تريد الصراحة يا طويل العمر، نحن نحب معزبنا (يقصد الحاكم السابق)، ولكن الله أعطاك يا ابن سعود، فقال له الملك عبدالعزيز، رحمه الله، من كان وفيًا مع معزبه كان وفيًا معنا، أنت الملهم يا عسّاف.

كذلك كان الملك المؤسس يتمتع بمهارة التعامل مع الآخر المختلف، سواء كان هذا الآخر من العرب أو من غيرهم، فاستطاع بهذه الخلّة والصفة البديعة أن يكسب إليه القلوب، فدانت له بها الجزيرة العربية طوعًا ومحبّة، فجاءت القبائل مزعنة بالبيعة، وفتحت القلاع أبوابها للملك الفذ، لتعرف الجزيرة العربية الأمن والسّلام بعد عهود مظلمات من الفرقة والشتات والاحتراب.. ليكتب التاريخ المعاصر ملحمة التوحيد بأروع مداد، وينظر إليها العالم كلّه بعين الغبطة والانبهار.. بخاصة وأن هذا التوحيد المعجز تحت راية «لا إله إلا الله محمّد رسول الله»، قد رافقه توطين معاني السلام والإخاء مع دول العالم كافة، بما يكشف عن بعد النّظر، وقدرة الملك عبدالعزيز في بسط سلطان الأمن، وتقدير مصالح الأمة، وإشاعة السّلام في ربوع العالم.. ليجد الإسلام في ظلّ المملكة العربية السعودية الموحدة؛ عزّته المنيعة، والصوت الذي تبدّد ردحًا من الزمن في فيافي الفرقة والشتات.

إنّنا إذ نحتفل اليوم بهذه الذكرى العزيزة على نفوسنا جميعًا، إنّما نستذكر هذه المجاهدات العظيمة، والتضحيات الجسام التي قام بها الملك المؤسّس، رحمه الله، ومن معه، وأبناؤه الملوك من بعده، لتصبح المملكة رقمًا صعبًا في معادلة العالم سياسيًا واقتصاديًا وفكريًا، وما كان لهذا الإنجاز أن يكون حاضرًا وماثلًا للعيان، لولا أولئك النّفر والرّعيل الأوّل من أبناء هذا الوطن المعطاء، فرحم الله من سلف منهم بالخير، وجعل الخير في البقية.

إنّ المملكة اليوم تستشرف آفاقًا رحبة في ظلّ رؤية 2030، والتي نعتبرها امتدادًا طبيعيًا لبُعد النّظر الذي تتمتع به قيادتنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمّد بن سلمان، فهذه الرؤية التطويرية ترمي إلى أفق بعيد، وتنظر إلى موقع وموضع المملكة العربية السعودية في مستقبل مضطرب، قياسًا على ما نشهده في عالم اليوم، ليأتي احتفالنا بعيدنا الوطني قرينًا ومتزامنًا مع مضي هذه الرؤية إلى غاياتها المرسومة بكلّ دقّة وحزم وعزم.

حفظ الله مملكتنا، مملكة الإنسانية، من كلّ سوء، وأدام عليها عزّها ومجدها في ظلّ قيادتها الرشيدة.. وإنها لفرصة سانحة لنا جميعًا لنجدّد الولاء والبيعة لقيادتنا، بيعة رضا ومحبّة وعشق لتراب هذا الوطن.. وكلّ عام والمملكة العربية السعودية في أمن وسلام وتقدم وازدهار في كلّ المجالات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store