Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

مبتعثونا.. ويومنا الوطني

A A
حين كنا طلابًا مبتعثين في أمريكا في نهاية السبعينيات إلى منتصف الثمانينيات الميلادية، كنَّا نحتفل كل عام بيومنا الوطني، وكانت الملحقية الثقافية السعودية في هيوستن، التي انتقلت بعد ذلك إلى واشنطن، تقيم حفلًا سنويًّا بهذه المناسبة الوطنية الكبيرة، إضافة إلى الملحقيات الفرعية في الولايات المختلفة، ويُدعى للحفل جميع الطلاب السعوديون في كل ولاية، إضافة إلى بعض الشخصيات المهمة من الأمريكان والعرب وسواهم، وسوى احتفاليات الملحقيات والسفارة والقنصليات التي يغلب عليها الطابع الرسمي، كان الطلاب أنفسهم يقيمون احتفالاتهم الخاصة التي تنظمها نواديهم الطلابية المنتشرة في المدن، وينفقون على تلك الاحتفالات من مالهم الخاص، وكانت تلك الاحتفالات تعج بالفعاليات الثقافية، وتعتبر في مجملها عرسًا وطنيًّا ثقافيَّا، ولا يختلف الوضع في الدول الأخرى التي بها عدد كبير من المبتعثين السعوديين، وفي مقدمتها بريطانيا، إضافة إلى كندا وأستراليا وألمانيا وفرنسا، وهذه الحميمية لدى الطلاب السعوديين المبتعثين لم تزل قائمة ومستمرة حتى يومنا هذا، بل ازدادت دفئًا وحنينًا ووفاءً وإخلاصًا وانتماءً وولاءً، فلطالما حضرتُ هذه المناسبة الوطنية العزيزة في دول عدة، ودُعيتُ لاحتفاليات المبتعثين، كان آخرها الاحتفالية التي نظمها النادي السعودي بمدينة لستر البريطانية ضمن فعاليات مجلس الشيخ سعود المريبض بلستر ليلة السبت 23 سبتمبر 2017م، والشيخ المريبض شخصية وطنية كبيرة معروفة، وله أيادٍ بيضاء في رعاية أبنائه الطلاب المبتعثين في جميع مدن بريطانيا ودول أخرى كثيرة، ولا يضنُّّ عليهم بأي عون مادي أو معنوي، انطلاقًا من وطنيته الصادقة وحبه لأبناء الوطن وتشجيعه للدارسين منهم في كل التخصصات والمجالات، وقد أشرف النادي السعودي بلستر على إقامة هذا الحفل بقيادة رئيس النادي المبتعث محمد الحلافي ومشاركة زملاء له في مقدمتهم المبتعث سطام العتيبي وزملاء له آخرون، وحضر الحفل عدد كبير من المبتعثين وضيوف عرب، وكان بصحبة الشيخ سعود الشيخ عبدالرحمن بادريق، رجل الأعمال السعودي المعروف، ورغم أن الحفل كان من إعداد الطلاب المبتعثين بالكامل، إلا أنه اتسم بالاحترافية العالية، من حيث التنظيم والإدارة، ودقة توثيق المادة المرئية التأريخية الجيدة التي أُعدت للحفل، ناهيك عن العروضات الشعبية، وقصائد الشعر المختارة، وكل ذلك في جوٍّ تراثي سعودي كامل، حيث كان الطلاب يرتدون زيهم الوطني ورُددت أهازيج وطنية جميلة، ولو أمعنَّا النظر في أسباب احتفال الطلاب السعوديين في الخارج باليوم الوطني من دوافع ذواتهم، لأرجعناه إلى عوامل عدة، من أهمها: حنينهم لوطنهم، وكما قال شوقي:

وطني لو شُغلت بالخلد عنه

نازعتني إليه في الخلد نفسي

والعامل الآخر المهم أن المغترب حين يقاسي صعوبات الحياة، يدرك فضل وطنه عليه، وطنه الذي يوفَّر له فيه كل أسباب الراحة والطمأنينة، وكما قال الشاعر:

ليت الذين أحبهم علموا

وهمُ هنالك ما لقيت هنا

لذلك تراهم يهبُّون ليحتفلوا ويحتفوا بيوم وطنهم مع أسرهم وذويهم هاتفين بصوت واحد: عاش سلمان.

وبعد، فإن أحوال المبتعثين اليوم في كل دول العالم تبعث على الالتفات إليهم بكثير من الحنو والرأفة، خاصة بعد أن تناقصت دخولهم الشهرية، ونقص ما كان يُصرف للتابعين من الأطفال على سبيل المثال، وتراجعت تغطية التأمين الطبي، خاصة في بريطانيا، فما يتقاضاه المبتعث من رواتب له ولعائلته اليوم يقترب كثيرًا مما كنا نتقاضاه قبل أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، مع أن تكاليف الحياة ازدادت منذ ذلك الحين أكثر من عشرين ضعفًا.

وأقول ختامًا، آمل أن يتم إعادة النظر في مخصصات المبتعثين أبناء الوطن المخلصين في غربتهم القاسية الصعبة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store