يقول الفيلسوف الإنجليزي (بِرتراند راسل): «الحياة الجيّدة، هي تلك التي يُلهمُها الحبّ، وتقودُها المَعرفة».. وفي رأيه أن الحبّ بمعناه الكامل مكوّن من عنصرين غير قابلين للانفصال، وهما: البهجة والرغبة في الخير.
من غير الممكن عليّ الاسترسال في آراء الفيلسوف وعالم المنطق «راسل»، ومن الصعب جدًا عليّ تلخيص بعضها أو حتى فهمها بوضوح، لكن من الممكن الانطلاق من جملته، التي وصف بها الحياة الجيّدة بالشعور بالابتهاج والفرح في ما يفعله الإنسان، حتى أثناء قيامه بواجباته اليومية ومسؤولياته الاجتماعية، فالحبّ فضيلةٌ ومُحرّك أساس لكثير من الفضائل الأخرى والأفعال، وهو واحد من مشاعر تُقاوم كثيرًا من المُضادات وأهمّها الكُره، وأشدُّها الحقد والحسد، وبخاصة في أجواء إنسانية معيشية غير صحية، وبيئة اجتماعية تنتشر فيها التصرّفات الهمجية والمشاعر السلبيّة من قِبَل البعض، وتغصُّ بكثير من سلوكيات الأنانية المُفرطة وحبّ الذات المدمّر للجماعات، في ظل وجود القهر الاجتماعي والغبن الطبقي والفساد الإداري بشكل يندي له جبين المرء خجلا.
من المهم أن يكون الحبُّ مشفوعا بالرغبة في الخير للناس والمجتمع، حتى يخرج من كونه تملّكا أنانيًا، وغريزةً عمياء لا تعرف إلا الاستحواذ والغلبة في سبيل غايات تبرّر الوسائل غير الأخلاقية، فالحبُّ- ومنه حبّ الذات- يجب أن يرتبط بقواعد أخلاقية ومواصفات سلوكية تكرّسها التعاليم السماويّة والقوانين، وتحدّدها بعض القيم الاجتماعية، لتكبح جماحه وتعمل على تقويمِه وضبطِه، وفي الوقت نفسه تعمل على إشباعه.
أما المعرفة، فهي غاية في الأهمية، ومكمّلة للضوابط الأخلاقية، بل يمكن النظر إلى المعرفة بوصفها من أهم معايير الحبّ والأخلاق والحكم عليهما، ففي النهاية، لابد من أن تكون العواطفُ والأخلاق متصلةً بالمعارف والعلوم والإدراكات المنطقية المُوصلة إلى الخير والبِناء والفائدة المُجتمعية، فالحبُّ مع الجهل والخُرافة قد يؤدّي إلى الإيذاء والضرر وحتى القتل، فلا يكفي- على سبيل المثال- لمن يُعالج المريض أن يتّصف بالمحبّة ويقصد الخير من خلال عمله، بل يجب عليه أيضًا أن يتحلّى بالمعرفة والعلم والمهنيّة، كما أن من الواجب على من يهدف باختراعاته الخير للبشرية، أن يخترعها باتباع السنن الكونية وطرق العلوم والمعارف الحديثة بالتجارب والبراهين العِلمية.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
