من الملاحظ الشعور بالنعاس خلال أوقات الضّجر وقلّة التحفيز العاطفي وبخاصة خلال أوقات النهار، وله أسبابٌ مُتعددة، ويتأثّر بعوامل عُضوية وهرمونية وسلوكية وعاطفية، كما يرتبطُ النعاس بنمط الساعة الحيوية ودورة الليل والنهار وتأرجح إفراز مادة (الميلاتونين)، فعلى سبيل المثال، يزدادُ الشعور بالنعاس خلال ساعات النهار لدى المحرومين من عدد كافٍ من ساعات النوم خلال الليل، والذين يعانون من انقطاع التنفس الانسدادي خلال النوم، أو غيره من اضطرابات تؤدي لتقطّع ورداءة النوم.
ويبدو من الدلائل العلمية أن الملل من الأمور التي يتعدّى أثرها مشاعر غيـر مريحة خلال مواقف وأوقات معيّنة، فقد أظهرت دراسةٌ أجراها علماء يابانيون وصينيون نُشرت حديثًا في مجلة (نيتشر كومينيكيشن) أن منطقة نواة (أكمبينز) في الدماغ المسؤولة عن مشاعر المكافأة والمتعة والمرتبطة بعوامل معرفية وعاطفية إدراكية، لها علاقة قوية بالتحكّم بسلوك النوم والاستيقاظ.
وكان من الواضح من خلال هذه الدراسة، التي طُبـّقت على الفئران، ارتباط هذه النواة في الدماغ أيضًا بالتحفيز على النوم عن طريق تنشيط مُستقبلات معيّنة فيها بواسطة مادة (أدينوسين)، تؤدي إلى الشعور بالنعاس.
وتفسّر هذه الدراسة بشكل واضح، السبب الأكبر وراء الشعور بفرط النعاس في أوقاتٍ غير ملائمة، كما هو الحال خلال المحاضرات الطويلة وساعات الخمول الجسدي والفكري، كنتيجة مباشرة للشعور بالملل وقلّة التحفيز العقلي والنفسي، على الرغم من مُحاولات البقاء في حالة تيقّظ وانتباه، فالمنطقة المسؤولة عن الشعور بالإثارة النفسية جراء عوامل خارجية كالضحك، وتناول الطعام والتشجيع وأنواع المكافآت المالية والعاطفية السلوكية، تتأثر بشكل سلبي ويتم إخماد نشاطها خلال أوقات الضّجر، مما يبعث على الشعور بالنّعاس واللجوء للنوم، حتى في أوقات غير مناسبة.
وتشجّع هذه الدراسة على اكتشاف أدوية علاجية للأرق، قد تكون أكثر أمانًا وبالية مُختلفة عن تلك المتوفرة حاليًا، كما أرى أنها في الوقت نفسه، تشير إلى ضرورة الاهتمام بوسائل تعليمية وتربوية سلوكية معرفية أكثر إثارةً وحـماسًا لتقليص فرصة الشعور بالنعاس لدى النشء والطلاب، عن طريق اعتماد الحركة البدنية والمشاركة الذهنية المتبادَلة وإشاعة جو الفكاهة والمرح والمكافآت العينية والمعنوية، وتقليص أوقات المحاضرات باختصار المادة التعليمية، وتخفيض ساعات العمل للموظفين وتنويع وسائل ترفيههم وتحفيزهم ماديًا ومعنويًا، للمساعدة على طرد الملل من نفوسهم، وتنشيطهم ذهنيًا وتحسين مزاجهم وإنتاجهم.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
