Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

فكرة الحقيبة الأكاديمية

A A
فكرة خلاقة تلك التي ابتدعها الأكاديميون المغاربيون لتخطي معضلات الركود في التواصل العلمي من خلال تمرير الكتب التي لا تصل اليوم، بسبب المعوقات البيروقراطية. نعرف جيدًا مفهوم الحقيبة الدبلوماسية التي توصل ما هو ضروري بدون المرور عبر الحلقات التقليدية التي تجعل كل شيء يتأخر. ونعرف في الجزائر أيضًا فكرة حملة الحقائب خلال الثورة التحريرية أو ما أطلق عليه يومها ريزو جونسن، أو مجموعة جونسن، التي كانت تنقل وتمرّر إلى الثوار في الجزائر، كل ما كانوا يحتاجون إليه من وثائق ضرورية، وأموال، وحتى الوثائق التعريفية وجوازات السفر المزوّرة التي كانت تُمكِّن بعض القادة الثوريين من التحرك عبر العالم وإيصال القضية دوليًا. هم مجموعة آمنت بالحق الجزائري في التحرر، رافضة للظلم الاستعماري. كانوا يُمرِّرون حقائبهم عبر الطرق العادية، أمام أعين الشرطة الفرنسية، لأنهم فرنسيون، ومفكرون فوق الشبهة. تم ابتداع فكرة الحقيبة الأكاديمية من هذا المزيج الدبلوماسي وحملة الحقائب. هدف الأكاديميين المغاربيين هو وضع حد للقطيعة التي أنجزت حولها خطابات رافضة ومنفعلة، لكنها لم تجدِ نفعًا. وبدأ التفكير في صيغة عملية فعلية لا تُكلِّف كثيرًا، ولا تضر أحدًا ولا تضع البلدان المغاربية في مأزق، أو في حالة إحراج، فكانت الحقيبة الأكاديمية. الفكرة شديدة البساطة، وقوية الفائدة، وفعَّالة جدًا من منطلق سد النقص. نعرف أن البلدان المغاربية تشتغل أكاديميًا وجامعيًا أيضًا وفق النظام الفرنسي، من خلال مخابر البحث العلمي. فتم التفكير في هذا السياق، في صيغ تبادلية بين مختلف المخابر المغاربية: هناك عبقرية مغاربية مميزة: حرية تنقل الأفراد في المساحات المغاربية بلا فيزا. لقد وصلت الخلافات بين المغرب والجزائر إلى سقفها، عانت تونس من القلاقل الأمنية الكبيرة، لكن الحركة إلى اليوم ما تزال حرة. وهو ما يجعل الحقيبة الأكاديمية شيئًا ممكنًا وضروريًا أيضًا. ماذا تعني باختصار الحقيبة الأكاديمية في النهاية؟ المسألة بسيطة تتلخص في التالي: أن تأتي مجموعة جامعية تشتغل في مخبر من المخابر الثقافية والأدبية بمئة كتاب من الدراسات النقدية والاجتماعية الجديدة ومجموعة النصوص الأدبية، الروائية على وجه الخصوص، التي ظهرت في السنوات الأخيرة، وتقدمها هدية للمخبر المقابل الشبيه أو القريب لها في الجزائر، أو في المغرب، بحيث تصبح المادة الثقافية والأدبية في متناول المخبر والباحثين والطلبة الذين يشتغلون في موضوع معيَّن. وتقدم في شكل هبة ثقافية. ويفعل المخبر المستفيد من الحقيبة الأكاديمية الشيء نفسه مع صنوه المغاربي. وهكذا يتلقى كل مخبر ما لا يقل عن مئتي كتاب في السنة. ويمكن الحديث عن عشرات المخابر المنتشرة في بلدان المغرب العربي التي يمكنها أن تتواصل فيما بينها بسهولة. سيتم اختيار مخبر تجريبي في الجزائر، والاتفاق معه مبدئيًا باستقبال الباحثين التونسيين القادمين إلى الجزائر في شهر نوفمبر القادم، محمَّلين بالحقيبة الأكاديمية الأولى بين الجزائر وتونس. هي وسيلة من وسائل كسر حالة الجمود، والحركة الصعبة للكتاب. حل حالم، لكنه ممكن وسيتحول في وقتٍ قريب إلى آلية ثقافية وأكاديمية لجعل الكتاب الأدبي والعلمي في متناول جميع المغاربيين. ولِمَ لا تمتد التجربة إلى العالم العربي كله. يمكن تطويع الفكرة وإيجاد الصيغ المختلفة. حاليًا ستكون الفكرة وتطبيقها مغاربيًا، لأن هناك وحدة في النظام العلمي الجامعي من حيث الآليات العامة، وفكرة المخابر المنتشرة مغاربيًا وتعد بالعشرات وربما بالمئات. بينما ما تزال المخابر مقتصرة في المشرق العربي على الجانب العلمي فقط. الفعل نضالي بالمعنى البسيط لفتح الطريق أمام الكِتَاب العلمي والأدبي، الذي ما يزال يعاني من المنع والتوزيع، والثقل البيروقراطي. وكما يقول المثل الصيني بدل الحديث عن الظلام والاكتفاء بذلك، يجب التفكير في إشعال شمعة لإزالة الظلمة. مشروع ثقافي وعلمي بسيط لكنه فعَّال، ينبني على فكرة الوصول السريع إلى المصدر، مع تفادي كل العقبات البيروقراطية الثقيلة. ليس فعلًا تجاريًا، مما يخرجه من الدائرة الجمركية، لكنه هبة من المخابر العلمية المغاربية فيما بينها. لنتخيل قليلًا النتائج إذا نجحت الفكرة. في كليات الآداب واللغات والفنون في العاصمة الجزائرية وحدها، ما لا يقل عن عشرة مخابر علمية. عشرة مخابر تعني بالحساب الحقائبي البسيط، عبور ألف كتاب نحو الجزائر والعكس صحيح بالنسبة للمغرب وتونس. وهو رقم كبير في ظل التصحر المغاربي من حيث التواصل، والذي ما يزال محكومًا بسلسلة من الأوضاع والخلافات التي لا تمنع مطلقًا من العمل على هذا المستوى.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store