Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد أحمد مشاط

عوامل حركات الانفصال وعواقبها

الكلمات فواصل

A A
مما يلاحظ في السنوات الأخيرة ازدياد حركات المطالبة بالانفصال أو حدوثه فعلًا كما في جنوب السودان وإقليم كردستان بالعراق، وإقليم كاتالونيا بإسبانيا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بركزيت). وتأتي القناعة بالانفصال إما بفعل وتخطيط خارجي أو بغيره. وفي الحالين فإن ثلاثة عوامل مهمة لها التأثير الأساس في تأجيج ذلك. العامل الأول هو الاقتصاد، والعامل الثاني هو عودة القوميات الذائبة قبلًا في الكيانات المتحدة، والعامل الثالث هو الجغرافيا.

فقد شاهدنا مؤخرًا التصويت على قيام كيان كردي في العراق، والتصويت على كيان كاتالوني في إسبانيا. هذان المثالان يرتكزان على العامل الاقتصادي بنسبة كبيرة، يدفعه الشعور القومي بجدوى الانفصال عن الكيان الكبير. ولكن الحقيقة التي تبرز هي أن الحلم الانفصالي سرعان ما يفيق على أرض الحقيقة الواقعة، وهي أن تحقيق ذلك الحلم ليس كما كان يتصوره الساعون إلى الانفصال. برز ذلك بكل وضوح في إسبانيا عندما قررت البنوك وبعض المؤسسات التجارية والمالية الكبرى الانتقال من برشلونة إلى مدريد لو تم الانفصال. هذا سوف يهدد ثروة الإقليم بالتناقص والضياع وعدم إمكانية أو صعوبة إنشاء دولة غنية؛ فكانت النتيجة عدم قدرة حاكم كاتالونيا على إعطاء إجابة واضحة لمدريد بالانفصال أو البقاء.

أما انفصال السودان فيرتكز على الاقتصاد كون الجنوب يمتلك ثروة نفطية كبيرة، وكذلك على القبائلية الزنجية بالمقارنة للشمال الأقل حظًا من النفط، والمنتمي أساسًا إلى الجذور العربية. أما الجغرافيا فمن الواضح أن موقع الشمال ينتمي للكيان العربي ويتفاعل معه، بينما ينتمي الجنوب للأصول والجذور الإفريقية ويتفاعل معها.

أما محفزات التصويت على الانفصال في إقليم كردستان فهي اقتصاديات النفط الكبيرة، والقومية الكردية التي تؤكدها لغتها التي تبرز في الجغرافيا. فقد حلم المنتمون إليها بدولة للأكراد المتفرقين في عدة دول ومناطق متجاورة.

أما أهم عوامل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فهو الجغرافيا كونها جزيرة ذات كيان منفصل عن القارة الأوروبية ما جعل لها استقلالية واضحة. لذا لم يكن غريبًا احتفاظها وتداولها بالجنيه الإسترليني كعملة بعيدًا عن اليورو وتأثيره، فرسّخ ذلك بالتالي مفهوم استقلال اقتصاد الإسترليني عن اقتصاد اليورو. ومن العوامل الاقتصادية الأخرى عدم قبولها استيعاب الأعداد القادمة إليها من الأجانب، سواء أكانوا من أوروبا أو من بلدان أخرى في العالم. فعقلية معظم مواطنيها ترى أن جغرافيتها تجعل منها موقعًا أو بيتًا له سياج بحري واضح يحميها من الغرباء. كما أن كثيرين في أسكتلندا يطالبون بالانفصال عن المملكة المتحدة. وهذا لو تم سيكون تقسيمًا داخل الكيان الواحد المتماسك.

ما سبق يثبت أن الرغبات الانفصالية مهما كانت قوتها الاقتصادية أو جذورها القومية، ليست سهلة التطبيق، كما أنها لا تعود بمنفعة اقتصادية أكبر كما يتصورها الذين تدفعهم القوميات للانفصال، في حين يتجه العالم إلى التّجمّع الاقتصادي، والسياسي، والمالي، والثقافي، والتقني.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store