Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الفنون الجميلة في المجتمع السعودي

A A
خلال عقودٍ سابقة، انتشرت في المجتمع السعودي مُحاولاتٌ مُمَنهجةٌ مُنظّمة لوأدِ الـمشاعر الفنية لدى كثيرين، وتبغيضِهم في الفنون الإنسانية الرفيعة بحُجّة حُرمتها، وترهيبهم من تعلّم العزف على الآلات الموسيقية، كما تمّ إلغاء حصص الموسيقى في المدارس الحكومية، وتهميشِ حصص النشاط المسرحي الطلابي، وإهمال عدد من الاحتفالات الفنية الشعبية والأدبية، واستبدالـها في بعض المناطق بحفلات تكسير الآلات الموسيقية، فتصارعتْ لدى عددٍ من النشء مشاعرُ إنسانية تميلُ بِطبعها لكلّ جميلٍ من الأنغام ورقيقٍ من الألحان، وتتطلّع لإتقان عدد من الفنون الجميلة.

فكانت النتيجة أن حبَس كثيرون رغبتهم الدّفينة في أن يمتهنوا التمثيل، أو يـُمارسوا عزف الأوتار والغناء، ويطّلعوا على أصول الفن ومبادئه، كما تـمّ إهـمال بذور الإبداع في فنون إنسانيةٍ كالشعر والرسم والتمثيل والإخراج والتصوير والغناء لدى الأطفال والشباب، مـما اضطر كثيرين لمُمارسة بعض هذه النشاطات خارج نِطاق البلد.

من المنطقي القول: عندما تُدفَن المَشاعر اﻹنسانية والفنية الراقية، لابد أن يطغى مكانها الجفافُ العاطفي والتصحّر السلوكي، وتنتشرَ المَشاعر السَّلبية، كما أرى أنّ مُحاربةَ الفنون اﻹنسانية وقتل المَواهب الفنية وإغلاق قنوات الترفيه الاجتماعي، كانت من أسباب اعتناقِ كثيـرٍ من الشباب لأفكار هدّامة وشعورهم باليأس والإحباط، وتبنّيهم سلوكيات العُـنف الاجتماعي.

لكن في ظلّ التغيرات الإيجابية، التي يمرُّ بها المجتمع السعودي، وتوافق مؤسسات الدولة على نشر روح البهجة والترفيه، من الضروري الاهتمام بالفن بشكلٍ أكبر وصورةٍ أكثر تنظيمًا، بوصفه رئة الشعوب وواجهته الحضارية التي تبعثُ رسائل واضحة عن ثقافته ومرجعياته ومبادئه، ويُسهم في علاج مُشكلاته وقضاياه وتجنُّب أخطائه التاريخية، كما أتوقع أن يتمّ قريبًا تأسيسُ مَعاهد وإنشاء كُلّيات لتدريس فنون الموسيقى والتأليفِ والتمثيل والإنتاج والمونتاج والإخراج والتصوير وغيرها، فضلًا عن الاستثمار في صناعة السينما وإنتاج المُسلسلات التلفزيونية بكوادر سعودية، والارتفاع بالذّائقة الفنية للنشء عن طريق مَناهج تربوية مدرسية، والتشجيع على الانخراط في نَشاطاتٍ مُوسيقيةٍ ومَسرحيةٍ منذ الصِّغَر، وإنشاء دُورٍ عامة لعرض الأفلام السينمائية والعروض المسرحية، لتكريسِ فكرة أن الفنونَ بشتى أنواعها مُرادفةٌ للحياة والجَمال، وصورةٌ صادقةٌ للمجتمع تُشير إلى مستوى حضارته ومدى رُقيه، وليست مُرادفة للفساد السّلوكي والانحلال الأخلاقي كما يحاول أعداء الحياة تصويرها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store