Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

أطفالنا ووحش التنمر الإلكتروني

A A
لفت نظري مؤخراً مقال في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان «هل تعرف ماهي التطبيقات التي يستخدمها أطفالك؟» تضمن أسماء مجموعة من التطبيقات رائجة الانتشار بين المراهقين، والتي يقومون باستخدامها لتبادل لقطات الفيديو الخاصة، وتطبيقات أخرى ذات استخدامات متعددة لا يتطلب بعضها إظهار الاسم أو السن أو أي معلومات شخصية. وحذر المقال من تلك التطبيقات وأنها تمثل مساحات مغلقة يمكن أن ينتشر بها التحرش والابتزاز والتنمر.

هذا المقال دفعني أكثر للتجول بين المعلومات المتعلقة بالإساءة للأطفال على الإنترنت باللغة الإنجليزية، وفوجئت بحجم تلك المعلومات وتنوعها ما بين إحصاءات ونصائح واستشارات نفسية وقانونية، إضافة إلى كثير من القصص المأساوية التي ذهب ضحيتها أطفال وصل بهم الأمر إلى الانتحار بسبب تعرضهم للمضايقة والتنمر الإلكتروني. إحدى تلك القصص لطفلة كندية اسمها أماندا (15 سنة) قامت بنشر لقطة محزنة على اليوتيوب حول معاناتها مع التنمر على الإنترنت التي أوصلتها لدرجة الاكتئاب والعزلة والرغبة في الموت، وفعلاً أنهت الطفلة حياتها آخر المطاف بقطعها لشرايين يدها. اللقطة شاهدها ملايين الأشخاص ونتج عنها ردود فعل كبيرة في كندا شملت حملات للتوعية ووضع قوانين أشد صرامة ضد التنمر الإلكتروني، إضافة إلى التحقيقات الجادة التي أسفرت عن إلقاء القبض على رجل في هولندا واتهامه بالابتزاز والتحرش، واتضح ان الطفلة أماندا لم تكن ضحيته الوحيدة، بل شملت قائمة ضحاياه أطفالاً آخرين في كندا والنرويج وبريطانيا وأمريكا. وحكمت عليه المحكمة في هولندا بالسجن 11 سنة والموافقة على طلب الحكومة الكندية بتسليمه لها حيث يواجه مزيداً من الاتهامات.

قصة أماندا هي واحدة فقط من عدد كبير من القصص المأساوية التي تحدث بالغرب رغم الاهتمام الكبير لديهم بموضوع التنمُّر الالكتروني والأنظمة الصارمة ضد مرتكبيه.

وبحكم عضويتي في مجلس إدارة الأمان الأسري أدرك أن هناك مجهودات كثيرة تُبذل بهذا الخصوص، لكني أيضاً وبحكم تخصصي واهتمامي بشبكات التواصل الاجتماعي أدرك أيضاً أن حجم التنمُّر الإلكتروني لدينا أضخم بكثير مما يمكن تصوره، لدرجة أستطيع القول معها بأنه أكبر خطر يواجهه أطفالنا اليوم نتيجة لعوامل عديدة تكنولوجية وثقافية وتعليمية وأسرية وقانونية، إضافة إلى حقيقة يمكن رؤيتها في العالم المكشوف (وليس الخفي) لشبكات التواصل الاجتماعي لدينا، وهي انتشار التنمُّر حتى بين الكبار عبر ممارسات مثل التهكم والسخرية والشتائم والتهديد. فإذا كانت ثقافة التنمُّر منتشرة بهذا الشكل العلني بين الكبار فهي دون شك القاعدة وليست الاستثناء في تعاملات الصغار والتعامل معهم في الغرف الإلكترونية المغلقة حيث لا حسيب ولا رقيب.

نحن بحاجة للكثير من التوعية والدراسات، والكثير من الاهتمام والقرب من أطفالنا في البيت والمدرسة، والكثير الكثير من الأنظمة والقوانين الصارمة ضد وحش التنمُّر بكافة صوره وأشكاله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store