Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد أحمد مشاط

التعليم ليس إحباطا بل ارتقاء

الكلمات فواصل

A A
قال: «كنت أتمنى في طفولتي أن أصبح مهندس بترول لمعرفة والدي بكثير ممن يعمل في صناعة الزيت، ولإعجابي بـاستكشافاتـهم. ولكنني لم أفهم من أستاذ العلوم في المدرسة الابتدائية مواده التي يدرسها. لقد كان قاسيًا علينا ويستهزئ بالفصل كله، ويصفنا بالغباء. فكرهه الفصل، ونجحنا بالكاد لنحقق له نبوءته بغبائنا. وكره معظمنا العلوم والرياضيات. فلما أصبحنا في مرحلة الاختيار، كانت ميولنا بعيدة عن العلوم والرياضيات. ثم تخرّجتُ لأصبح مدرس لغة، بمفردات قليلة ونطق غير سليم. وعندما لاحت فرصة عمري، اتجهت للعمل الحر. وما تزال للمُنى غصة.

كم منا مرّ بـهذه التجربة؟ أكاد أجزم بأن غالبية الطلاب بمدارس المملكة، وكثير من الدول العربية، أمرَّتـهم مثل هذه التجربة المدمرة، السارقة للأحلام، المحبطة للإنسان».

هذا جزء من مقال كتبته منذ ما يقرب من خمس سنوات في هذه الزاوية تحت عنوان «المعلم صانع النجاح والفشل» تذكرت المقال عندما انتشر ما قاله -مؤخرًا- معلم لطلابه في المرحلة الابتدائية: «تذاكرون أو ما تذاكرون وظائف ما في»، هذا مثال صارخ للمعلمين المحبطين الذين ينشرون ثقافة اليأس بين العقول البريئة النقية، فيخرجها عن مسارها الحقيقي والطبيعي والبريء. ماذا سوف يتولد في أذهان أولئك الصغار من قوله إلا اليأس والإحباط، وعدم السعي الحثيث للعلم، وترك التطلعات التي سوف يحققها العلم لهم، والضياع في مسارات من عدم جدوى المنافسة في العلم، وعدم النشاط في التحصيل، ونبذ الاهتمام بالمستقبل الواعد الذي سوف يمنح كل واحد منهم الأماني التي يحلمون بها. فيا له من قتل للمستقبل، ووأد للمنى والطموحات.

يبدو أن الترسبات و»الأجندات» التي عانينا منها كثيرًا على مدى عدة سنوات، حيث كانت تحاك في الظلام لتجنيد الطلاب بمنهجها الخفي لأهداف التشدد، والتكفير، والعنف، والتخلف عن ركب الحضارة والحياة الطبيعية التي تعكس الحاضر؛ بحجة العودة للدين الصحيح، ما تزال نشيطة في أذهان معلمين كثر وفي أذهان غيرهم للسيطرة على الأطفال والشباب وتوجيههم نحو ما يدمرهم ويدمر المجتمع.

وتعلم الناس كما تعلم وزارة التعليم بعدم كفاءة كثير من المعلمين، ومع ذلك هم يشكلون لنا مستقبل الوطن ببذر أهدافهم، وبنشر ثقافة اليأس والإحباط في عقول أبنائنا. فهل هو استسهال للعملية التعليمية وتنفيذها كالعمليات الآلية؟ أم أنها مضطرة لأنها لا تملك الكوادر والكفاءات الجديرة بحمل مسؤولية العملية التعليمية الحساسة على وجهها المثالي؟ أم أنها لا تستطيع أن تستقطب أولئك المؤهلين، فرضيت بأن يؤدي العمل في المدارس أنصاف وأرباع القادرين على تنفيذ ذلك العمل الجليل الخطير، وبرغم أن كثيرًا منهم تركّبت نفسياتهم بالعقد، ومعهم الذين لا يملكون أساسيات التربية والتعليم.

لا أشك في أن وزير التعليم يملك الفهم التام عن العملية التعليمية وشروطها وأساسياتها وأهدافها، وهو في قمة الهرم الذي سوف يخرج لنا الجيل الذي سوف يشكل لنا المستقبل، وسوف يساهم ويرتقي بهذا الوطن العزيز إلى المستويات التي ترتقي إليها وتنشدها الأمم المتطورة. بيد أني مع ذلك أتساءل لم لا يوضع كل ذلك الفهم في حركة تنفيذية شاملة؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store