Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

مطلوب: سائقات

A A
قبل سنوات عدة، كتبت مقالة في هذه الصحيفة الغراء، طرحت فيها فكرة كانت تعتبر جريئة في ذلك الوقت؛ إذ كان الجدل يدور حينها حول إمكانية إتاحة الفرصة للنساء لقيادة السيارات في بلادنا، فعرضتُ أن تقام تجربة تُمهِّد لأمر كهذا، وتعتبر بمثابة اختبار لمدى تقبل المجتمع عمومًا لقيادة المرأة للسيارة، وذلك من خلال إصدار تأشيرات لسائقات، بمعنى أن تستقدم الأسرة السعودية سائقة من دول بعينها تحل محل السائق، وتخرج العائلات من حرج ركوب السيارة مع رجل أجنبي، خصوصًا حين تكون المرأة بمفردها، وميزة هذه السائقة سوى رفع الحرج عن النساء من الركوب معها، أنها تعين ربة المنزل داخل المنزل وخارجه على حد سواء، فإن أحضرت المرأة مشتريات معها في السيارة، تستطيع السائقة حملها إلى داخل المنزل وليس إلى خارجه كما يفعل السائقون الذكور، وتستطيع معاونة ربة المنزل كذلك في ترتيب الحاجيات داخل المنزل ثم تمضي، والشيء نفسه يمكن أن يحدث لو كان معها في السيارة أطفال صغار أو رضّع ونام بعضهم، أو احتاجوا لمن يحملهم إلى داخل المنزل، فيمكن لهذه السائقة أن تحملهم بكل أريحية إلى الداخل وتضعهم على أسرّتهم، وتساعد الأم بتحضيرهم للنوم بتغيير ملابسهم أو تنظيفهم وما إلى ذلك، وهو ما لا يمكن أن يقوم به السائق الرجل، وهذه السائقة يمكن أن تخصص لها غرفة مناسبة داخل المنزل لا خارجه كالملحق مثلًا، تمامًا كما يحدث مع الخادمات، فتكون تحت أعين أفراد الأسرة، وفي كثير من الأحيان يمكن أن تؤدي دور: «اثنين في واحدة أي أن تؤدي دور الخادمة كذلك، أو تنجز معظم أعمالها، فيكون في ذلك توفير كبير في التكاليف، وعرضت في المقالة القديمة أن توضع شروط دقيقة لاستقدام السائقات كأن لا يقل عمر السائقة عن خمسة وثلاثين إلى أربعين عامًا، وأن تكون قوية البنية ويفضل أن تكون من الدول الإفريقية، كي تتحمل هذه المسؤوليات التي يتحملها الرجال في العادة، إضافة إلى حملها لرخصة قيادة في بلدها لا تقل مدتها عن خمس سنوات، وكان الهدف الكبير من تلك المقالة أن تجرّب هذه الفكرة لسنوات قليلة ويُنظر إلى مدى تقبل المجتمع لمبدأ قيادة المرأة، بحيث يمهد ذلك للسماح للنساء عموما بقيادة السيارات، وتكون التجربة قائمة على غير السعوديات قبل السعوديات، وقد أوحى لي بهذه الفكرة أحد المشايخ من علماء الدين الثقاة من السعوديين.

من عجب أن بعض التعليقات الإلكترونية على المقالة التي أذكرها كانت قاسية جدًا، حتى أن أحدهم كتب: كنت اقرأ للدكتور عريف كل ما يكتب خلال عشرين عاما، ولن أقرأ له بعد الآن، وهذا يعطينا فكرة دقيقة عن طبيعة بعض العقول لبعض الناس في مجتمعنا، فكما يكون على بعض القلوب أقفالها، كما جاء في القرآن الكريم (أم على قلوب أقفالها)، فكذلك يكون على بعض العقول أقفالها، علمًا بأن «القلب» استعمل في القرآن الكريم بمعنى «العقل»: بلفظ: «الفؤاد»، أو بلفظ القلب نفسه: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، فبعضنا لا يريد أن يناقش بعض الموضوعات التي لا تتعلق بالثوابت، ولا يترتب عليها إيمان أو كفر، لوجود قناعة مسبقة لديه مرتبطة باعتبارات اجتماعية وعادات أو سواها، بل بلغ الأمر ببعضهم أن يُحلِّل ويُحرِّم بناء على تلك المعطيات.

وها نحن اليوم أمام عصر جديد ومفهومات جديدة وتشريعات جديدة لا تعارض الدين، ولا ترمي إلا لخدمة الوطن وأبنائه وبناته، بعد دراسات معمّقة، وتأنٍ ورويّة ومراعاة لمقتضى الحال، وتلكم هي مقاصد الشريعة التي لا يدركها كثير ممن يهرفون بما لا يعرفون، وتبقى كلمة الفصل فيما يتعلق بمسألة قيادة المرأة في بلادنا وسواها. «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store