Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

هيبة الدولة العظمى

A A
مصطلح «القوة العظمى» يدل على انفراد دولة واحدة بالتحكم في الشؤون العالمية؛ لامتلاكها القدرات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية التي تفرض من خلالها سلطتها على الدول الأصغر، وحين هيمنت أمريكا على العالم بثرواتها وأساطيلها الحربية وتقدمها الحضاري، فقد أضعفت كل منافسيها، من خلال تكريس الأحادية القطبية.

وكان من الطبيعي أن يصبح لأقوى دولة عسكرياً واقتصادياً وثقافياً في العالم موقع مميز تحفّه الهيبة والاحترام والإذعان، أمريكا، كدولة عظمى وحيدة في المجتمع الدولي، هي التي تحدد قواعد اللعبة، وتمسك بزمام الأمور، ولها كامل الحق في التدخل لحل الأزمات بطريقتها الخاصة التي تعيد بها الدول الخارجة عن الطاعة إلى صفوف الإذعان، وإلا...

وبينما تبقى أمريكا قوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية مهيمنة في العالم، تعاني هيبتها حالة من الانكفاء والتراجع، فقد كان يكفيها أن تزمجر مُهدّدة عن بعد، ليقع الرعب في قلوب من يعاديها ويلتزم حدوده. لكنها بدأت في السنوات الماضية الأخيرة تواجه تحديات من قبل بعض الدول أظهرت ضعفاً في تلك المكانة المهيبة.

فمن المواقف التي أحرجت أمريكا أمام العالم قضية حيازة كوريا الشمالية للسلاح النووي وعملها الجاد في تطويره، وكذلك الوضع الشائك في إيران، حيث يقبع مفاعلها النووي.

خلال الحملة الانتخابية للرئيس ترامب، كانت وعوده تتكرر بأنه سيعيد لأمريكا مكانتها وهيبتها المفقودة، وحين أصبح رئيسا للولايات المتحدة برزت تلك التحديات في مواجهته بقوة.

تُجري كوريا الشمالية اختباراتها النووية في المحيط الهادي، وتهدد جيرانها من الدول الحليفة، فترفع أمريكا صوتها مطالبة إياها بالتوقف، لكن رد الرئيس الكوري المتغطرس يرتفع أكثر رافضاً الطلب، فتهدد أمريكا بالتدخل، فيذهب الرئيس الكوري إلى أبعد من المتوقع، ويهدد أمريكا بالدمار الشامل!

وقبل أن تهدأ حدة التوترات بين أمريكا وكوريا الشمالية تبدأ قضية إيران في الظهور على السطح مرة أخرى، ومع عدم التزام السلطة الإيرانية ببنود الاتفاقية الضعيفة بعدم تطوير السلاح النووي؛ حفاظاً على استقرار المنطقة، يضطر الرئيس الأمريكي إلى الوقوف بحزم، ويهدد إيران بنقض الاتفاقية، فيأتيه الرد على شكل استعراض للمزيد من الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية في مسيرة عسكرية، وحين يُحذّر إيران من مغبّة الاستمرار في التصعيد، يأتي الرد على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني، قائلًا: إن «بلاده لا تقبل لغة التهديد الأمريكية، وسنجعلكم تندمون»!

وتعود أمريكا بعد كل ذلك باحثة عن خيار دبلوماسي يُخرجها من هذا الحرج أمام العالم، فما عادت الدول ترضخ للإملاءات، ولا يبقى أمامها إلا فرض العقوبات الاقتصادية وسياسة العزل التي تضطر أمريكا إلى الاعتماد على حلفائها وإلزامهم بما تريد، لكن الإجراءات العقابية، والقوائم السوداء تحرم الشركات والبنوك من فرص استثمارية كبيرة، وتؤثر في الوضع الاقتصادي على الجانبين.

هذا الاهتزاز في هيبة الدولة العظمى لا يؤشر بأي حال من الأحوال إلى ضعف هيمنتها أو قدراتها المتفوقة، فليس هناك دولة قادرة على مواجهة أمريكا، لا عسكريا ولا سياسيا، لكنه السلاح النووي الفتاك الذي سعت إليه دول كرست اقتصادها وقوت شعوبها لاقتنائه، ثم راحت تشهره في وجه أي قوى تهدد أمنها.

السلاح النووي هو الرادع لكل سلطة، فأمريكا القادرة على سحق كوريا وإيران مجتمعتين، تتردد كثيرا في استخدام قوتها؛ لأن المخاطرة كبيرة ومأساوية وشاملة، ولا بد لها من حساب العواقب لكل حركة تدفع بها هؤلاء الزعماء المتطرفين إلى إطلاق صواريخهم المدمرة على الدول المجاورة، ثم عليها.

وقد تفوز أمريكا في المعركة، ولكن المعارك النووية لا منتصر فيها، لذا فإن أسلحة الدمار الشامل تعزز قوة الدول، كما أنها في نفس الوقت، تكبح تلك القوة وتُكبّلها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store