يخطئ كثيرون منا حينما يعتقدون بأن للثقافة مسطرة واحدة تُقاس بِها كل الثقافات في العالم وتنطبق عليها.. ولو كان هذا الزعم صحيحًا، فما هو تفسيرهم للصدمة الثقافية التي تصيب الشخص القادم من بلد من العالم الثالث إلى بلد من العالم الأول؟.
فالحقيقة كما أثبتتها ملايين النماذج في شتى أنحاء العالم بأن هناك فجوة واضحة لاختلاف الثقافات لا يمكن تجاهلها. لذا تحدث الصدمة الثقافية بشكل كبير عند الانتقال من المجتمعات المتأخرة إلى المجتمعات المتقدمة، وهذا لا يمنع أن يحدث العكس. فالمبدأ واحد والمؤثر واحد، وهو اختلاف وتباعد تلك الثقافات عن بعضها البعض.. فما يكون مقبولًا في ثقافة مجتمع، قد يكون مستهجنًا وغير مقبول في ثقافة مجتمع آخر. هذا يقودنا إلى التساؤل عن ثقافتنا الوطنية، التي تتمثل بصور واضحة في سلوك المجتمع بشكل عام، وفي سلوك أبنائنا بشكل خاص.
في الماضي القريب كانت ثقافة أبنائنا انعكاسًا للإرث الثقافي في المجتمع أو الوطن، الذي يتمثل في تأثير الدين، والعادات، والتقاليد، والقراءات الأدبية، والتاريخية، والفنون الموسيقية والغنائية التراثية، والسلوكيات الشخصية والمجتمعية.. كل ذلك العمق والتعدد أتاح لأفراد البلد الواحد فرادة ثقافية معينة، ولكنها لا تبتعد كثيرًا عن البلدان الأخرى المجاورة التي تعتمد نفس الثقافة. وكمثال: ثقافة البلدان العربية المتجاورة، التي تتشابه كثيرًا بعضها ببعض، ولا تختلف إلا قليلًا.. وهذا بعكس ما يحدث من صدمة ثقافية عندما يأتي شخص من الدول العربية، أو من أدغال إفريقيا أو من فقيرات آسيا؛ إلى دولة متقدمة في العالم الأول.
أما اليوم فإن ثقافة أبنائنا لا تعتمد على إرثنا الثقافي إلا بنسبة سطحية قليلة مقارنة بما يتعرضون إليه من غزو ثقافيّ خارجي، ما أحدث الفجوة الكبيرة بين الآباء والأبناء في المجتمع الواحد.. فبينما يعتمد جيل منهم على إرث واحد عميق الجذور من الثقافة الواحدة الأصيلة، ترى أن الجيل الآخر يعتمد بشكل كبير على ثقافات عالمية مختلفة عن ثقافة بلده، التي لا تحظى إلا بقليل من اهتمامه وسلوكه.
نحن أمام غزو ثقافي خطير سوف ينسف كل إرثنا الثقافي الأصيل- إن وقفنا على حالنا التي نحن عليها- ليجعلنا بلدانًا بلا هوية ولا ثقافة ذات تميّز وفرادة، بل هجين من الثقافات الدخيلة.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
