Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

امتحان القانون والذوق العام

A A
تـمرّ الـمجتمعات الـحيةّ بتطوّراتٍ اجتماعية تـمسّ أفرادها بـمختلف شرائِحهم وفئاتـهم، وتتأثر بـمُتغيـّرات تطال قوالبها الاجتماعية على مدى السنوات، وليس الـمجتمع السعودي بـغريبٍ عن الـمجتمعات الأخرى فـي زمن العولـَمة وثورة الاتصالات وتبادل الثقافات.

من الطبيعي تغلغُل الثقافة البدوية والقبَلية في الـمجتمع السعودي بوصفه - كغيـره من الـمُجتمعات الإقليمية - يعيش في منطقة جغرافية صحراوية، ويرتبط بـمواصفاتٍ مـُجتمعية يـحلو لبعضهم وصفها «بالـخاصة» على الرغم من اشتراكه فيها مع غيـره من الشُّعوب،

واستخدام وصف «الـخصوصية» طوال عقودٍ لأغراض غيـر منطقية، كرّس ونشر عقداً نفسية، وتقاليد مناطقية، وأفكاراً رجعية، وأنظمةً ذكورية، وآراء دينية متشددة،

فضلاً عن تشجيعه تبنـّي قوانين تُـروّج لقبول تلك «الـخصوصية» وكأنـّها من الـمُسلّمات.

من الواضح اتساع أفق الـمجتمع السعودي وتـحسّن رؤيته، وتقبّل كثيـرٍ من أفراده لـمنطق الاختلافات الثقافية وانفتاحهم بشكل إيـجابـي على الثقافات الأخرى، وبالتالـي حاجته إلـى مراجعة عددٍ من الأنظمة والقوانيـن بـما يتوافق مع العقل والـمنطق والـحقوق الإنسانية، والاختلافات الثقافية والـمصالح الـمشتركة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، في بيئةٍ سريعة التغييـر، وبأفرادٍ يغلُب عليهم مظاهر الفتوّة والشباب، ويتطلّعون إلـى رؤية حكيمةٍ خلال سنواتٍ قليلة.

يُـراهن الـمُجتمع السعودي على نـجاحه في اختبار كفاءة التعليم الدينـي الـمُكثّـف، وانعكاسه على الأخلاق والسلوك العام، وقدرة التربية الاجتماعية على أخلاقيات الشهامة والعفّة والرجولة الـحقّة على الثبات أمام التطوّرات النظامية الاجتماعية على أرض الواقع، فضلاً عن التأكيد على سيادة القانون وتطبيقه على كائنٍ مَن كان، وتكريس هيبته بردع من تسوّل لـه نفسُه كسره.

وهنا ينبثق الدور الريادي للمؤسّسات التعليمية والتـربوية الرسـمية والـمدنية، بتضافر جهودها في مشروعٍ وطنـي للارتقاء بالأخلاق الفردية والسّلوك العام، وإعادةِ تربية الأفراد والنشء على أصول التصرّفات الإنسانـية القويـمة، والتحلّي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وتدريسِ موادّ تأمر بـمعروف الذوق العام وتُـنكر السّلوكيات الـهَمجية وتنهى عن التحرّش والإيذاء وتـُجرّمه قانوناً، وتُـعلّم حُسن التعامل بيـن الـجنسيـن، في مُـجتمع تـمّ على مدى عقود صبُّ كثيـر من أفراده في قوالب فكرية جامدة بـمعاييـر ذكورية تـتميّـز بـهوَس مَرَضي، يفصلُ بين الرجال والنساء بشكلٍ لا يقرُّه فكرٌ سليم ولا شريعةٌ ذات تعاليم سـمحة صالـحة لكلّ الناس في جـميعِ الأمكنة والأزمان.

أختم بقول للفيلسوف البـريطانـي «بِرتراند راسل»: «حيـن تكون الـحُريّة ضارّة، يـجب أن نلجأ إلـى القانون».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store