Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

رفض الامتِثال لخُدع الأمثال!

A A
•• الأمثال هي ذاكرة الشعوب والأجيال، بعض الأمثال تمنحنا الحكمة وتُحفّزنا، وبعضها تخدعنا وتحبطنا، والبعض الآخر شنيع! يفرّقنا ويُعنصرنا.. ولهذا لابدّ أن نُحكّم عقولنا، قبل أن تُخدّرنا خُدُع الأمثال، وهذا ما أردت أن أقدمه لكم في هذا المقال، لأبيِّن لكم قُصور بعض الأقوال، وأُصوِّبها بردٍّ جُزالْ.

(الرجّال ما يعيبه شي!)..

‏•• بل يعيبه كل ما يعيب المرأة من أشياء، وكم يحزنني بقاء هذه الموروثات الجاهلية على بعض ألسنة اليوم، والأخطر من ذلك، لو ردَّدها الوالدين لأبنائهم، ويزداد الطين بلّة إذا أصبحت مبرراتهم لمنع الرغبات: (لأنك بنت، وهو ولد!).. هذه التفريقات العنصرية، فضلاً عن مخالفتها للشرع والمنطق، فإنها تخلق شرخًا كبيرًا في التربية، وتُورِّث في أخطر حالاتها اضطرابات سلبية، تؤثر بشكل ملموس على نفسيّة الفتاة، ناهيك أنها تمنح اللامبالاة لبعض الشباب، فيخطئ كما يشاء، لأنه (رجّال)!

‏(أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة)..

‏•• هذه المقولة قاصرة عن الحقيقة، لأنها ربطت العلم بالعمر، ولا ينبغي للعمر أن يكون حَكَماً ، بل هو مجرد رقم، لا يُعبّر عن النضج، ولا المعرفة، ولا الخبرة ولا المسؤولية.. أنا أرى بأن كل شخصية تعيش في حقبة عمرية مختلفة عن ما يقرره تاريخ ميلادها.. العقول لا تقاس بالأعمار، هناك في العشرين من هم بخبرة ونضج الأربعين، والعكس صحيح.. وفي هذا قال أحد الحكماء: كم من صغير عقله بارع، وكم من كبير عقله فارغ!

‏(عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة)..

‏•• هذا المثل وغيره يدعونا للقبول بأقل القليل ويخوّفنا من الطموح، ويشجعنا على الركون والسكون.. عصفور اليد موجود، فلماذا لا نطلق أحلامنا وطموحاتنا إلى العشرة التي فوق الشجرة؟ غادة السمان تنهاكم عن هذا المثل في خاطرتها النثرية فتقول: (العصفور في اليد، قيلولة في مستنقع الرتابة، وإقامة في مدينة المقبرة، وحوار رتيب كالشخير! والعصفور على الشجرة.. نجمة، فراشة، حلم بلا نهاية.. لا تصدقوا أيها الصغار الذين لم تتشوهوا بعد، أن عصفورًا في اليد خير من عشرة على الشجرة!).

‏(فاقد الشيء لا يعطيه)..

‏•• لو كان ذلك صحيحًا لما رأينا غير المتعلمين من الآباء والأجداد، أحرص الناس على تعليم أبنائهم.. ولما رأينا نماذج عديدة ممن باغتهم أو أحبَّهم المرض.. أصبحوا من أمهر الأطباء، ولما رأينا كثيرًا ممن حُرموا الحنان أو الخِلفة، ربّوا أجيالاً وبذلوا عواطفهم بغدقٍ وسخاء، بيتهوفن لحّن ألحانًا شهيرة وكان أصماًّ، وهيلين كيلر الكاتبة، نجحت نجاحًا باهرًا وكانت لا تسمع ولا تُبصر! العطاء ينبع من المعاناة، وفاقد الشيء هو أكثر من يعرف قيمة المفقود، وبالتالي هو أجدر من يمنحه لغيره.. ولذلك أقول: فاقد الشيء هو أفضل من يعطيه!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store