Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد أحمد مشاط

الذين لا يطورون الأوطان

الكلمات فواصل

A A
هناك أناس لا ينظرون إلا إلى الخلف، فهم لا يثقون في المستقبل، ولا يعملون من أجله. إنّهم يريدون أن يعيدوا الماضي ليصبح مرة أخرى حاضرًا معاشًا. وهذا التطلع -مع الأسف لتفكيرهم- لا يمكن أن يحدث أبدًا، لأن مياهًا كثيرة قد تدفَّقت من تحت الجسر. ولو حاول أحدهم أن يعيد الماضي، وتحقق له ذلك جدلًا؛ فسوف يكتشف بأنه كمن يعزف لحن نشازٍ مع سيمفونية الحياة المعاصرة. فهو يريد أن يسمع الحاضر عزفه المنفرد على ربابة تراثية، ويسكت «أوركسترا» العصر الحاضر «الفلهارمونية».

فإذًا هناك في الحياة مستحيلات لا يمكن حدوثها مرة أخرى: منها عودة الماضي لكي يُمارَس ويُعَاش، مهما حاول الإنسان وجاهد من أجل استدعائه؛ وذلك لأن الزمن من خواصه المضي إلى الأمام. فهو اتجاه واحد لا يتراجع، ولا يعود أدراجه ليقتفي آثاره المطبوعة على أديم الأرض. وحتى أولئك الذين يقولون بأن التاريخ يعيد نفسه، فإنّهم مُخطئون أيضًا لأن المعطيات الحالية غير معطيات الماضي، والعلم غير العلم، والتفكير غير التفكير، والقناعات غير القناعات، والسلوك غير السلوك، والبشر غير البشر، والمجتمع غير المجتمع، والتقانة غير التقانة، والثقافة غير الثقافة. وهذا لا يمنع أبدًا أن يشتاق أحدهم إلى ماضيه، وصباه، وبراءة الأزمان التي عاشها؛ ولكنه توقٌ قصير إلى لحظات من تاريخٍ عبره في مسيرة حياته، وليس حاضرًا معاشًا في ثياب الماضي.

المشكلة في هؤلاء الماضويين هي أنّهم متشائمون، لا يجذبهم المستقبل بل يخافون منه. لذا فإن عملهم من أجل تحقيقه عادةً ما يكون ناقصًا غير مكتمل. بل إنّهم من المشاهدين الذين لا يُشاركون في بنائه، ولا في إنتاجه أو في تطويره. وهذه مشكلة حقيقية للمجتمعات التي تريد التطوير وتسعى إلى تقدُّم الإنسان ونمو الأوطان. وبسبب نظرتهم التشاؤمية التي تدفعهم إلى السلبية، فهم يُشكِّلون حجر عثرة يحول دون تحقيق البرامج المستقبلية، فتراهم يعطلونَها أو يؤخرونَها أو يشوّهونَها.

الذين يظلون مشاهدين فقط ولا يشاركون في بناء الأوطان، وتطوير الإنسان، والاستفادة من منجزات العصر؛ خطر كبير يقف أمام طموح الأمم وتقدمها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store