Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

في أولوية مواجهة إيران

A A
مهما اتصفت ممارسات إيران، وأذرُعُها العميلة، في المنطقة بالخطر، فإن ما يفوق هذا خطرًا يتمثل في تجاهل تلك الممارسات، وعدم التعامل معها بجديةٍ وسرعةٍ وحسم.

لم يعد ممكنًا في هذا الإطار التغني بما جَعله النظامُ الإيراني نفسهُ يدخل في باب المثاليات غير القابلة للتطبيق.. أنهت إيران بنفسِها كل كمونٍ للتعايش الإسلامي/الإنساني في هذه المنطقة من العالم.. أنهتهُ بكل وقاحةٍ ووضوحٍ يفقأ العين، ويجعل من يقع في مصيدته ساذجًا يعيش في عالم الأوهام.

لا علاقة للنظام الإيراني، من قريبٍ أو بعيد، بدفاعٍ مُصطنع عن شعوب المنطقة، ولا بغيرةٍ كاذبة على إسلامٍ ومسلمين.. نعم، هذه الغيرة وذلك الدفاع يردان بكثرة في خطاب الدعاية الإيراني المتنوع المباشر وغير المباشر.. لكن حقيقة الأمر تكمن في فكرةٍ مجنونةٍ تلبّست القيادة الإيرانية تتمثل في السيطرة على المنطقة سياسيًا واقتصاديًا قبل أي شيءٍ آخر.. والوسيلة الأولى والأكثر فعاليةً تكمن في توظيف الدين والمشاعر المذهبية لتحقيق ذلك الهدف.

لا يمكن الغفلة هنا، أيضًا، عن الأطماع السياسية والمصالح الاقتصادية، للمتنفذين في القيادة الإيرانية، داخل إيران نفسها.. يكفي مثلًا أن نعرف أن الحرس الثوري الإيراني يسيطر على ثلث اقتصاد بلدٍ بحجم إيران في أقل التقديرات.

هذا هو الحرس الذي كشف قائده العام اللواء محمد علي جعفري عن جاهزية نحو 200 ألف مقاتل في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان يرتبطون به، معتبرًا أن التحولات في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة «إيجابية»، حسبما ما أوردته وكالة مهر الحكومية.. بل قال جعفري إنه يتطلع إلى «تشجيع» الجيل الثالث من «الثورة» لدعم «ولي الفقيه» والجمهورية الإسلامية في إيران، لافتًا إلى أهمية حضور الشباب الإيراني في معارك سوريا والعراق واليمن.

كما نقلت وكالات الأنباء عنه وهو يتحدث في مراسم تأبين القيادي في الحرس الثوري (حميد رضا أسد الله)، الذي قُتل في حلب السورية.

لم تعد تدخلات إيران في المنطقة إذًا من باب الأسرار، التي تتطلب جهدًا وتحقيقًا لكشفها، بل إنها باتت هي تطرحها بكل عنجهيةٍ وصراحة..

فهي تعلن منذ أسابيع أنها بصدد الاستمرار في تطوير برامج الصواريخ البالستية، وهي توصل الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن بوسائل جديدة، حسب ما نقلته وكالة رويترز منذ أسابيع.. وهي تُشكّلُ ميليشيا جديدة في الجنوب السوري تجمع بين شباب شيعة ومسيحيين، في مسعىً مقصود لتسعير المشاعر الطائفية.. وهي تدعو باكستان إلى استنساخ تجربة «الباسيج» فيها، مفتخرةً بنجاحها في سوريا والعراق واليمن، بعد إيران.. وهي التي يُعلن علي أكبر ولايتي، مستشارُ «قائدها»، أنها بصدد «تحرير» محافظة إدلب في الشمال السوري خلال الأيام القادمة.. وهي التي تخترق أوربا ليقتل عملاؤها رئيس حركة النضال العربي لتحرير الأحواز أمام منزله في هولندا منذ أيام.. وأخيرًا، هي التي يُطالب محمد باقر نوبخت، الناطق باسم حكومتها، العالم بأن يكون «ممتنًا» لحرب حرسها الثوري على الإرهابيين، خصوصًا «داعش»، مع تهديدٍ لأمريكا يقول فيه: «من هذا المنطلق، فإن أي دولة تريد اتخاذ موقف مشابه حيال الحرس، ستكون مشتركة مع الإرهابيين والدواعش، وستلتحق بصفوفهم. إذا أرادت أمريكا تصنيف الحرس الثوري على أنه تنظيم إرهابي، فستجعل نفسها في خندق واحد مع الإرهابيين».

من هذا كله، يتضح أن الحرب على الإرهاب في سوريا، والعراق واليمن وغيرها، باتت، عمليًا وقانونيًا، أولويةً قصوى.. وأن هذه الحرب يجب أن تتضمن ما يُسمى حزب الله وعصاباته الموجودة فيها بأسماء مختلفة، وهذا ما سيحصل عاجلًا أو آجلًا.

والدولة التي ترعى، جهارًا نهارًا، تنظيمًا إرهابيًا لا يجب أن تتوقع سوى الردع والعقوبة بكل الطرق والوسائل.. والدولة التي ترضى بأن يكون تنظيمٌ إرهابي أحد مكوناتها السياسية يجب أن تراجع كل ما له علاقة بالموضوع.. وعشرات الآلاف الذين يأكلون من خير الخليج ثم يُرسلون أموالهم لدعم منظمةٍ إرهابية، بشكلٍ مباشر وغير مباشر، لا يجب أن يلوموا إلا أنفسهم في مصيرهم القادم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store