Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

البواعث الدينية والفكرية والاجتماعية خلف الوعد المشؤوم

رؤية فكرية

A A
لابد من فهم البواعث الدينية والفكرية والثقافية والاجتماعية التي أحاطت بوعد بلفور Balfour Declaration وانبثقت من خلالها الرؤية السياسية على مدى مئة عام، وإذا كان بلفور المحافظ قد عمل على حمل حكومة الائتلاف في عام 1917م للاعتراف بوطن قومي لليهود فوق أرض فلسطين العربية والمسلمة التي كانت ترزح تحت ما عرف باسم الانتداب البريطاني، وذلك بعد تقسيم تركة الدولة العثمانية من خلال معاهدة سايكس بيكو Sykes–Picot Agreement. فقد عمل حزب العمّال، لأنه كان معقلاً لشخصيات سياسية تؤمن بمبادئ الحركة الصهيونية، بل كانت بعض الشخصيات الإنجليزية أكثر ولاء من اليهود لطائفتهم لقيام الكيان الإسرائيلي؛ ولكن للإنصاف تاريخيًا يجب أن نشير إلى أن موقف وزير خارجية العمال آنذاك، إرنست بيفن Ernest Bevin كان مناوئًا لقيام هذا الكيان، وذلك لأن قيامه يسيء للعلاقات العربية الإنجليزية، ولقد توجهت على مدى عقود السهام الطائشة والادعاءات الكاذبة حول شخصية بيفن، واتهامه بعداء السامية؛ بل ذهب عضو البرلمان إيان ميكاردو Ian Mikardo إلى قول سفيه وهو أن بيفن يشترك مع العرب في حب الخيول وفي النزعة الجنسية !!، وقد رفع صوته بهذا الادعاء والسفه أثناء حقبة هارولد ويلسون Harold Wilson، رئيس وزراء بريطانيا عام 1964م – 1970م، وقد كان ويلسون معروفًا بولائه للحركة الصهيونية ودعمه لها، إلا أنه لم يجرؤ كما فعلت مارغريت تاتشر Margaret Thatcher على القيام بزيارة للكيان الصهيوني في الثمانينيات الميلادية، فلقد كانت هناك جفوة بين هذا الكيان الغاصب وبين الحكومة البريطانية، فقبل قيام الكيان الإسرائيلي بفترة وجيزة، وتحديدًا في العام 1948م، قامت الحركات الإرهابية الإسرائيلية الهاغانا Haganah وشيترن - والمعروفة أيضًا بعصابة «ليحى» Lehi، بتفجير مقر القيادة العسكرية البريطانية، التي كانت تتخذ من فندق الملك داوود مقرًا لها، ولقد أدى هذا الاعتداء إلى مقتل مئة شخص، معظمهم من الإنجليز. وسبق ذلك قيام الحركات نفسها بقتل وزيرٍ إنجليزي مسؤول عن شؤون الشرق الأوسط، وذلك في نوفمبر 1944م، كما قامت الحركات نفسها بقتل الوسيط الدولي للسلام بين إسرائيل والعرب الكونت بيرنادوت Count Bernadotte، وقد أدت هذه الحوادث الإرهابية إلى أن جهاز الإسكوتلانديارد Scotland Yard جعل كلاً من مناحيم بيجن Menachem Begin واسحق شامير Yitzhak Shamir مطلوبين للعدالة البريطانية ولم يستطع بيجن الدخول إلى الأراضي البريطانية إلا في نهاية السبعينيات الميلادية وفي حقبة ويلسون أيضًا. ويصف اللورد كارنتون The Lord Carrington شخصية بيجن عندما اجتمع به «بأنه رجل يعيش في الماضي، فقد كان يحملني أنا وتاتشر شيئًا من المسؤولية عن قتل اليهود على يد الحركة النازية في ألمانيا بقيادة هتلر». إلا أن هناك أيضًا حقيقة غائبة حيث يذكر الباحث كرستوفر مايهو Christopher Mayhew، والذي عمل أيضًا وزير دولة في وزارة الدفاع البريطانية في حقبة ويلسون عند حقبة إعلان وعد بلفور بأن الوجود العربي كان غائبًا، ولم يكن للعرب وجود فاعل، كما هو شأن اليهود آنذاك، حيث استطاع اليهود التسلل إلى مراكز صنع القرار في بريطانيا وغيرها، في الوقت الذي كان العرب يواجهون فيه انشطارًا فكريًا واجتماعيًا من حيث وجود فجوة بين ثقافتهم الخاصة وبين التقاليد السياسية التي كانت قائمة في ويستمنستر Westminster، أي البرلمان البريطاني. وتظل هذه الإعاقة السياسية موجودة إلى وقتنا الحاضر بدرجات مختلفة. كما لابد أن نشير إلى عجز المؤسسات العربية الموجودة في بريطانيا على استقطاب الشخصيات السياسية المتعاطفة مع الحق العربي، ويأتي في مقدمتهم النائب المتعاطف مع المطالب العربية الفلسطينية المعروف وهو جيرالد كوفمان Sir Gerald Kaufman، رغم أن جذوره يهودية، وأتذكر شخصيًا أنه عندما حصل حصار على مدينة بيت لحم، في عهد حكومة شارون Ariel Sharon، وقف كوفمان في البرلمان البريطاني ليقول إن شارون دنّس نجمة داوود. وإذا كان اليهود المنتمون إلى مركز النّواب اليهود في بريطانيا وقفوا ضد كوفمان واتهموه بالانحياز إلى المطالب العربية فإن العرب لم يسلكوا طريقًا يجمعهم بكوفمان وأمثاله من أنصار القضية المصيرية لكل عربي ومسلم.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store