Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

الـمال يتحدّث

من الـمهم الانتباه إلـى أن الإنسان حين يتغيّـر بسبب الـمال، فإنـّما يفعل ذلك بتبـريراتٍ وجيهة وتفسيراتٍ مُقنعة له، فكثيرون لايرونه إلا استحقاقاً لـهم عن غيرهم، ودليلاً على مـحبة الله لـهم، بغض النّظر عن طرق اكتسابـهم إيّاه أو إنفاقهم له.

A A
من الـمعلوم أهـمية الـمال للبشر، فهو عصبُ الـحياة وإحدى زيناتها الدنيا، والإنسان مـجبولٌ طبْعاً على حُـبّه والسعي من أجل التحصّل عليه وحتـى اكتنازه، كما أن من أسباب السّعادة أن ينعم الإنسان بالـمال الوفيـر، فالـحصول عليه يثيـر مركز الـمُكافأة فـي الـمخ فيتعزز الشعور بالراحة والنشوة والاستقلالية.

ومن الـمعلوم أيضاً أن الـمال لا يُطلب لذاته، فالنّقد بوصفه الـمادي يُستغلُّ لشراء متطلبات الـحياة والـمعيشة والتعليم والتداوي، وتوفيـر الأوقات للتمتع بعيداً عن ضغوطات الـحياة، وعلى الصعيد الـجماعي والدولـي، يتحكّم الـمال في السياسات والتنظيمات والـمُقدّرات وطرق إدارة الاقتصاد، وفي سبيله تقوم كثيـر من الـحروب والصراعات، ومن أجله تُقدّم كثيـرٌ من التنازلات، كما أن الله سبحانه يرفع به أقواماً .

مُشكلة الـمال أنه يتدخّل في العلاقات الشخصية، ويتحكّم حتى في الأخلاق والسلوك الإنسانـي، فهو عاملٌ أساس لتغييـر النفوس، وتبدّل الطباع، وتغيّـر الصفات على الصعيد الفردي، سواءً نقَص أو زاد، وهو معيارٌ دقيق يـمكنه قياس أخلاق الإنسان حال كثرته أو قلّته، وسببٌ لانفضاض الناس أو اجتماعهم، وتوادّهم وتباغضهم، واقترابـهم أو تباعدهم .. هذه حقيقة ملموسة لا تـحتاج إلـى دليل، فعلى صخرة الـمال العتيدة، تتكسّر كثيـرٌ من القواعد والـمبادئ، والـمال يتحوّل من خادمٍ مُطيع إلى سيّدٍ مُطاع، قد يتنازل الـمرء بسببه عن قدْرٍ كبيـر من كرامته وعزّته، ويتخلّى من أجله عن أفكارِه وقناعاته، ويقلبُ من أجله الصديقَ عدواً.

من الـمهم الانتباه إلـى أن الإنسان حين يتغيّـر بسبب الـمال، فإنـّما يفعل ذلك بتبـريراتٍ وجيهة وتفسيراتٍ مُقنعة له، فكثيرون لايرونه إلا استحقاقاً لـهم عن غيرهم، ودليلاً على مـحبة الله لـهم، بغض النّظر عن طرق اكتسابـهم إيّاه أو إنفاقهم له

.

لكنه - أي الـمال - ودون أي مثالية، يُعدُّ سبباً رئيساً لتقطيع الأواصر الاجتماعية، وتكريسِ البُخل والأنانية الـمُفرطة، ومن طرق الإفساد والظلم وعدم الـمبالاة بالآخرين، وهدْم كثيـرٍ من القيَم الاجتماعية، لذلك كان الـحديثُ عنه في القرآن الكريـم حكيماً دقيقاً واضحاً، فيرتبط بالـخيـر والزينة والطيّب والـحبّ الـجمّ وجنة بربوة وسبيل الله في آيات، وبالابتلاء ورئاء الناس والـخبيث والإثـم والباطل والتبذير في آياتٍ أخرى، بـحسْب طرق اكتسابه وغايات إنفاقه.

وباختصار، فكما قيل: «الـمالُ مقياسٌ لفضائل الـمُجتمع»، والواقع يقول: حين يتحدّث الـمال، فجميع الناس يصمتون .. إلا من رحم ربـّي.

abkrayem@gmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store