Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

ماذا بعد بنطلون الجينز الممزق؟

A A
بنعومة ولطف يتم تغيير القيم والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم، ليس من الداخل بل من الخارج .. هذا الأمر تقوم به القوة الناعمة الأميركية، مستخدمة في ذلك عدة أدوات، ابتداءً من هوليوود وبرامجها الترفيهية المتنوعة من أفلام و مسلسلات وحوارات وغيرها، وانتهاءً بمجالس الأمم المتحدة المتعددة، شاملة حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق الأطفال والنساء والمساواة وهكذا.. وحتى الآن جرى فرض حقوق المثليين، وتشريع زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وتجريم من يمنعون ذلك، بل حتى من ينتقدونه علناً .. وأصبحت المسلسلات التي يشاهدها أي شخص في أي بلد، بلغتها الإنكليزية أو المدبلجة، تعكس هذا التوجه وتظهر مناظر الغرام بين المثليين.

عندما تداعى مفكرون ورجال أعمال وسياسة لإقامة نظام عالمي جديد بنهاية الحرب العالمية الثانية كانوا يسعون لعدم تكرار فشل (عصبة الأمم) السابقة لتقليص احتمالات الحروب، واعتقدوا أن ربط دول العالم ببعضها البعض عن طريق مؤسسات سياسية واقتصادية سوف يتيح فرصة للحوار قبل الالتجاء للسلاح في التعامل مع بعضها البعض. وطور هؤلاء «النظام العالمي الليبرالي» الحالي، الذي تبنت أميركا وبريطانيا برجالها ومؤسساتها دعمه وتطويره، ولحقت بها أوربا وباقي العالم. ولم يعترض الاتحاد السوفيتي حينها على ذلك. وخرج المنتصرون على ألمانيا وإيطاليا واليابان ببرنامج عمل لمستقبل المهزومين و المنتصرين ومن هم على الأطراف على حد سواء.. و يتولى أقوى وأغنى الأطراف بعد الحرب العالمية الطاحنة (أميركا) رعايته وتنفيذه.

تبنت وسائل الإعلام الأميركية، بما فيها الترفيهية، المناداة بالحريات، وتضمن ذلك التحرر من الاستعمار، الذي كان أوروبياً، وتطور الى مهاجمة وإدانة التمييز ضد اليهود، تلاه الفصل العنصري (الأبيض والأسود)، ثم التمييز ضد المرأة .. وتواصل الأمر ليصبح إدانة لمن يرفض القبول بزواج المثليين ومن لا يمنحهم حقوقاً مساوية لغيرهم. و تسللت هذه الإدانة الى المسلسلات التلفزيونية للكبار، و تنحدر الآن وصولاً لعقول الصغار.

غسيل المخ لا يتم التفريق فيه بين المواطن الأميركي وغير الأميركي، فهو موجه للجميع، إنه مسعى لإقامة مجتمع بقيم جديدة، وقواعــد تعامل بين الأفـراد مختلفة ..ويتم بأسلوب فائق الجودة والاحتراف، وأصابت عدواه مجتمعات أخرى

، إذ تجد برامج مشابهة في روسيا والصين واليابان، بالاضافة الى أوربا، مما يدل على أنه بينما ينشغل العالم بأمورهم السياسية والاقتصادية فإن هناك مجتمعاً جديداً يتم بناؤه في مختلف البلدان. ولا تذهبوا بعيداً، بل انظروا الى أطفالكم الذين أصبحت لغتهم التي يجيدونها الانكليزية والأغاني التي يستمتعون بترديد كلماتها ونغماتها الأميركية، والبرامج التي يشاهدونها من ديزني وأخواتها، والملابس التي يسعون لاقتنائها بنطلونات الجينز الممزقة، والتي تزداد تمزقاً خاصة بالنسبة للفتيات.

ألا تستحق هذه الأمور وقفة تأمل، بالاضافة إلى تفرغ باحثين عقلاء منفتحين لوضع برنامج يخفف من احتمال حدوث تشوه مجتمعي ويوجه مسار التحول بأقل الأضرار المجتمعية المتوقعة؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store