Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

عدم التسامح وصناعة الأعداء

إن ما حفَّزني لكتابة هذا المقال لم يكن مجرد حلول اليوم العالمي للتسامح بقدر كونه ناتجاً عن حزني لما لمسته من تنامٍ ملحوظ لممارسات عدم التسامح، والنزعة المتنامية لصناعة الأعداء

A A
لو قدر لي أن أختار صفة واحدة فقط لتعميمها على جميع شعوب العالم لما اخترت غير صفة التسامح فهي الصفة الوحيدة التي لو عممت على العالم لساده الأمن والمحبة والسلام. التسامح ليس أمراً صعباً، إنه ببساطة قدرة المرء على قبول الآخر الذي يختلف عنه في لونه أو جنسه وعرقه وجنسيته، أو آرائه ومعتقداته، والترفع عن منعه أو الإساءة إليه عند وجود القدرة على ذلك. هذا القبول ليس تنازلاً وتفضلاً على ذلك الآخر، بل إنه حق مرتبط بمنظومة متكاملة من الحقوق التي يجب أن يحترمها ويمارسها الجميع على قدم المساواة.

قبل كتابتي لهذا المقال بحثت في الإنترنت عن المؤشرات والمعايير التي يمكن استخدامها لقياس درجة التسامح أو عدم التسامح لدى شخص أو مجتمع ما، فوجدت عدداً كبيراً من الدراسات باللغة الإنجليزية، في حين لاحظت للأسف قصوراً واضحاً في الدراسات المعنية بهذا الأمر باللغة العربية رغم أن العالم العربي أكثر بقاع الأرض حاجة لمثل تلك الدراسات.

إن ما حفَّزني لكتابة هذا المقال لم يكن مجرد حلول اليوم العالمي للتسامح بقدر كونه ناتجاً عن حزني لما لمسته من تنامٍ ملحوظ لممارسات عدم التسامح، والنزعة المتنامية لصناعة الأعداء، وهو أمر يمكن ملاحظته بسهولة على شبكات التواصل الاجتماعي وبشكل خاص تويتر، متمنياً أن يلفت ذلك انتباه المتخصصين والمعنيين لإجراء دراسات وبحوث علمية للتحقق من ذلك ووضع مؤشرات لقياسه ثم الخروج بتوصيات وحلول مناسبة.

إن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج إلى أن يكون محاطاً بأصدقاء محبين مخلصين، لا أن يكون محاطاً بالأعداء الكارهين والحاقدين، ولكن ذلك لا يمنع أننا كبشر أيضاً نختلف في قدراتنا بهذا الشأن، فمنا من هو قادر على تكوين صداقات أينما حل، ومنا في المقابل من لا يحل في أي مكان دون أن يخلق له عدواً أو أكثر. حتى على مستوى الشعوب هناك شعوب يعرف عنها أنها اجتماعية وودودة، وهناك شعوب أخرى منغلقة على نفسها تكره الغرباء وتتحسس منهم وتنظر إليهم بدونية وازدراء. وأذكر بهذا الخصوص أن بعض الدول الغربية كان معروفاً عن شعوبها الانغلاق وعدم حب الأجانب ورفض الحديث معهم بغير لغتهم، لكنهم تغيروا وأصبحوا أكثر بشاشة وتقبلاً للآخرين وثقافاتهم وتعلم لغاتهم. صحيح أن مصالح السياحة قد تكون أحد أسباب ذلك التغير، ولكن المهم في الأمر أن هناك تحسناً ومزيداً من التسامح وعدم استعداء الآخر.

لا شك أن صناعة الأصدقاء ليست مهارة محببة فحسب، بل هي ثروة ورأس مال ثمين نحتاجه في الرخاء ونعرف قيمته في الشدائد والأزمات. ونظراً لكوننا بلد الحرمين الشريفين فإن من واجبنا أن نكون من أكثر شعوب الأرض تسامحاً وانفتاحاً وأكثرها قدرة على صناعة الأصدقاء وليس الأعداء.

العاطفة والتسامح لم تكن يوماً علامة ضعف بل علامة قوة، بينما التسلط والتنمّر والتعالي هو علامة العجز والضعف والنقص.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store