Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

أيهما الرهينة: الحريري أم لبنان؟!

A A
أكتب هذه السطور وأنا أرى الرئيس «سعد الحريري» وقت وصوله إلى باريس بدعوة من الرئيس «ماكرون» الذي استقبله على أنه رئيس وزراء لبنان، وقد تُنشر هذه السطور ويكون الرئيس الحريري قد وصل إلى بيروت للمشاركة في الاحتفال بذكرى استقلال لبنان مع رئيس الجمهورية وكبار المسؤولين اللبنانيين، فأي زوبعة في أي فنجان أثارها بعض المسؤولين اللبنانيين وسخَّروا لها الإعلام المُغرض والمُوجَّه، وأرسلوا الرسل حول العالم، ليُوهموا الناس بأن الحريري «رهينة» في الرياض، وممنوع من العودة إلى بلاده، ناسين أو متناسين عن عمد أو عن غرض أن الحريري رحل من وطنه الأول لبنان، إلى وطنه الثاني المملكة العربية السعودية، ومن ثم إلى وطنه الثالث فرنسا، فهو يحمل جنسيات الدول الثلاث، ووجوده في السعودية وجود بين أهله، وقد صرح بنفسه بأنه في كنف والده الملك سلمان، وأخيه الأمير محمد بن سلمان، ومقيم في داره معززاً مكرماً حرّاً في التنقل، فقد زار الإمارات وعاد، ويزوره المسؤولون والضيوف، واستقبل البطريرك الراعي خلال زيارته التأريخية للرياض، ومسؤولين كثراً سعوديين وأجانب، فأي رهينة ومحتجز هذا الذي يسافر إلى دولةٍ أخرى ويعود إلى بلدٍ يحمل جنسيته، ويستقبل فيه من يشاء في منزله الذي يملكه، كل هذه الأسئلة وسواها أُريد لها أن تُثَار ليشغلوا العالم بشكل الاستقالة التي أعلن عنها الحريري، ويصرفوهم عن جوهرها وأسبابها المعلنة الواضحة الصريحة التي لم تأخذ الحريري فيها لومة لائم، وهي التدخل الإيراني السافر في شؤون لبنان

من خلال ذراعه الباغي المُسمَّى زوراً وبهتاناً «حزب الله»، الذي يطبق على كل مفاصل الدولة، ويُسخِّر كل إمكاناتها لخدمة المشروع الإيراني في المنطقة، إضافةً إلى مساعيه التخريبية الواضحة للعيان وباعتراف رئيس عصابته «حسن نصر الله» شخصيّاً بأنه يتدخل في دولٍ أخرى، عياناً بياناً، دون اكتراث بهيبة الدولة اللبنانية، وكأنه الزعيم الأوحد الحاكم بأمره ولا قيمة للرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري، ويسرح هذا المجرم الأفَّاق في لبنان وسورية والعراق واليمن ويمرح، وكأنه غير محسوب على لبنان وحكومته الشرعية.

وذكَّر الحريري بسياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، التي اتفق عليها مع باقي الفرقاء، قبل أن يُوافق على ترشيح الرئيس عون، وأن يتولى ويُشكِّل الوزارة الحالية، وذلك الاتفاق بالطبع ذهب مع الريح، فما الذي يجنيه من البقاء رئيساً للوزراء سوى الخطر الماثل على حياته، كما صرَّح بنفسه أيضاً حين تنبَّه لمحاولة لاغتياله، ونجا مما لم ينجُ منه أبوه.

جوهر استقالة الحريري وأسبابها لم تُناقش من قِبَل مسؤول لبناني واحد، سوى المنتمين إلى تيار المستقبل، أو الموالين له، أمثال «مروان حمادة» و»نهاد المشنوق»، أما الباقون صغيرهم وكبيرهم ففضَّلوا سياسة الانبطاح وإشغال الرأي العام بأكذوبة اختطاف الحريري وأخذه رهينة، وسرعان ما انكشفت هذه الكذبة، وما بدر من المسؤولين اللبنانيين يمكن فهمه في ضوء ارتهانهم لكراسيهم، وخوفهم من بطش «حزب الشيطان» ونقمته، الذي لا يرعى فيهم وفي كل اللبنانيين إلاًّ ولا ذمة، ولكن من غير المفهوم أبداً ما صرَّح به مسؤول ألماني رفيع؛ مُغرِّداً خارج السرب الأوروبي كله، واصفاً موقف المملكة من قضية الحريري «بغير المعتاد»، ما دعا المملكة إلى تسليم مذكرة احتجاج شديدة اللهجة للسفير الألماني في الرياض. وها قد غادر الحريري الرياض معززاً مكرماً كما وصلها معززاً مكرماً، مدللاً على أنه لم يكن رهينة أبداً، بينما يبقى لبنان كله رهينة لإيران وحزب الشيطان.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store