Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

الصالونات.. وثقافة النواعم!!

لكن المرونة التي تسم كثيراً من الصالونات الأدبية دفعت بعض النقاد لوسمها بعدم الجدية، وطغيان طابع الثرثرة، والنقاش غير الهادف على فعالياتها، وهذا رأي - رغم وجاهته نسبيّاً - فيه تعميم ومبالغة لا ينصفان الدور المركزي الذي لعبته وتلعبه هذه المنتديات في صنع الثقافة وتطور الأدب

A A
تظل المجالس والصالونات الأدبية والثقافية الخاصة ظاهرة صحية، رغم ما يُؤخذ عليها من مآخذ أحياناً؛ فهي بطابعها غير الرسمي، الذي يمنحها مزيداً من البساطة والمرونة، تُمثِّل خطاً موازياً لعمل المؤسسات الثقافية الرسمية وصرامتها المعتادة. من هنا يذهب بعض مؤسسي هذه المنتديات إلى أن المجالس الأدبية الثقافية غير الرسمية أتت لتكمل ما تقوم به المؤسسات الرسمية، مثل الأندية الأدبية

.

لكن المرونة التي تسم كثيراً من الصالونات الأدبية دفعت بعض النقاد لوسمها بعدم الجدية، وطغيان طابع الثرثرة، والنقاش غير الهادف على فعالياتها، وهذا رأي - رغم وجاهته نسبيّاً - فيه تعميم ومبالغة لا ينصفان الدور المركزي الذي لعبته وتلعبه هذه المنتديات في صنع الثقافة وتطور الأدب. وتؤكد الباحثة الفرنسية «فايث بيسلي» في كتابها Salons, History, and the Creation of Seventeenth-century France أن الصالونات الثقافية «المعروفة بـsalon، أو ruelle» انتشرت في فرنسا في القرن السابع عشر الميلادي، وكانت فضاءات مهمة لتطوير الذائقة الأدبية والإبداع، وبالتالي عملت كمؤسسات كونت قوى موجهة للثقافة الفرنسية. كما يرى الباحث السوري إبراهيم حاج عبدي أن هذه المنتديات - بالإضافة إلى الدور السياسي الذي تؤديه - تمثل «واحة مصغرة لاحتضان الثقافة والفكر»، وتلعب «دوراً في تكريس مبادئ الحوار وتسليط الضوء على الأنشطة الفكرية والثقافية المختلفة

».

أحب أن أختم بنقطة مهمة تاريخياً: «فقد ارتبطت الصالونات منذ القدم بالنساء؛ ولم تكتفِ النواعم بالدور الثانوي دوماً بل تخطين ذلك إلى المشاركة الفاعلة فيما يدور من قضايا ونقاشات في هذه المجالس؛ ما دفع بعض الباحثين للتأكيد على أنها كانت نوافذَ مشرعةً لمشاركة النساء في الحياة الثقافية في وقت أغلقت أمامهن فرص الظهور في المؤسسات الرسمية. وعليه فقد عُرف عددٌ من الصالونات التي قامت عليها أسماء نسائية لامعة مثل مجلس سكينة بنت الحسين، وصالون مدام كاترين دو رومبوييه في باريس، وصالون كوليت خوري في دمشق، وصالون مي زيادة الشهير في القاهرة. ومن ينسى عجبَ وسخريةَ جبران خليل حين عرف عن صالون مي ومرتاديه، فكتب إليها: أتخيلك وأنت الفتاة الصغيرة الجميلة حاملة مسطرة، كمعلمة المدرسة، تأذنين لشيوخ الأدب في مصر بالكلام كل بدوره، وهم يطربون لسماع صوتك العذب ويمتعون أنظارهم برونق الزهرة النضرة».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store