Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

فرصة ثانية لكي يعود لبنان عربياً

A A
كما هي العادة مع إيران، لايُضيع أركان نظامها فرصةً لوضع العوائق أمام رحلة عودة لبنان إلى انتمائه العربي.

«يتريث» رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في تقديم استقالته للرئيس ميشال عون، بناءً على طلب الثاني، ولفتح نافذة فرصةٍ يتم فيها التعامل مع أسباب الاستقالة. فيخرج علينا قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، في اليوم نفسه بتصريحٍ عنتري يؤكد فيه أن سلاح مايُسمى بـ «حزب الله» اللبناني «غير قابلٍ للتفاوض».

ثمة شيءٌ يقرأه الإيرانيون في الموقف العربي والعالمي يدفعهم لمثل تلك المواقف المُعانِدة المتميزة بالوقاحة. فحتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي ساهم مع سعوديين وعرب آخرين في تقديم الفرصة الثانية التي نتحدث عنها للبنان، لم تشفع له جهودهُ بحيث ينجو من سخرية جعفري الذي أرجع مطالب ماكرون بوقف برنامج إيران للصواريخ البالستية «إلى أنه شابٌ يفتقر للخبرة»!

بين البيان الرسمي الأخير لاجتماع جامعة الدول العربية والتصريحات التي وردت على لسان مسؤولين عرب، ثمة حقائق خمسة، واضحة لكل ذي بصر، وتمَّ التأكيد عليها في التصريحات المذكورة والبيان الصادر: أولاً، إن مايُسمى «حزب الله» يتدخل عسكرياً وسياسياً وأمنياً في كثيرٍ من الدول العربية بشكلٍ سلبي يزعزع استقرارها وأمنها. ثانياً، إن هذا التدخل يأتي استجابةً لأوامر إيرانية وتحقيقاً لسياسات طهران في المنطقة. ثالثاً، إن الحزب المذكور، يقوم بأفعاله المذكورة، وهو شريكٌ رسمي في الحكومة اللبنانية. رابعاً، إن الحزب المذكور يُسيطر (عملياً) على تلك الحكومة لكونه القوة السياسية الوحيدة التي تملك السلاح على الأرض. خامساً، إن استقرار لبنان لن يتحقق من ناحية، وإنه لن يعود (عربياً) بالحد الأدنى للانتماء المذكور، دون تغييرٍ كاملٍ لدور الحزب وطبيعة وجوده وممارساته على الأرض اللبنانية وخارجها.

تلك إذاً معادلةٌ واضحة، والإجماع عليها كبيرٌ جداً، بغض النظر عن حسابات فردية لطرفٍ هنا وآخر هناك.

ماهو واضحٌ أيضاً الرسالةُ التي حملتها استقالة الحريري، بأسبابها المُحددة، ومعها تصريحات ومواقف المسؤولين السعوديين والعرب بخصوص ما يجب أن تفعله السلطة اللبنانية إذا رغبت فعلاً في استمرار الأمن والسلام في لبنان.

أسخف ما في الأمر أن تُعتبر مثل تلك التصريحات والمواقف (تهديداً)، وتتصاعد محاولات التهويل والابتزاز عبر إشاعة ذلك الاتهام.

فحين يلعب الحزب، الوكيل عن إيران، بدماء البشر ومستقبل الأوطان في المنطقة العربية، من سوريا إلى اليمن مروراً بالسعودية ودول الخليج، سيكون مخالفاً لقوانين الاجتماع البشري أن يحصل هو على ضمانةٍ ومأمنٍ وحصانة في عقر داره. وحين يمارس الحزب هذا في ظل وجوده الرسمي مُمثلاً بوزراء ومسؤولين في الحكومة اللبنانية، فإن الأمر يمثل استهتاراً بلبنان وسلطته السياسية قبل أي جهةٍ أخرى. وحين تستمر تلك الممارسات عاماً بعد عام، حتى بعد تشكيل حكومة سعد الحريري العام الماضي بناءً على عنصرٍ أساسي يتمثل في «النأي بالنفس» عن الأحداث في الدول العربية، فإن هذا يصبح قمةً في (الاستغباء) و(التذاكي) لاتنفع في إنجاحه كل ماكينات البروباغندا المأجورة والكثيرة.

من هذا كله، لاتبدو مفهومة بعض التصريحات التي نُقلت عن الأمين العام للجامعة العربية في زيارته لبيروت بعد اجتماع القاهرة. «هذا القرار صادر أساساً لإحاطة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالأداء الإيراني، ضمن الإقليم العربي بكامله» قال الأمين العام، الذي أضاف بعدها أن الإشارة في القرار إلى أن حزب الله الإرهابي شريك في الحكومة «هي وسيلة ملتوية في شكل غير مباشر لمطالبة الدولة أو الحكومة بالتحدث إليه وإقناعه بضبط أدائه وإيقاعه على الأرض العربية وبما لا يؤدي إلى تحالف مع قوى غير عربية»!.. في اعتقادنا أن رسالة الجامعة كانت للسلطة اللبنانية قبل أي طرفٍ آخر، وأنها صيغت واضحةً ومباشرة. وأنها جاءت ليعود لبنان بأسره عربياً مرةً أخرى، بما يعنيه الحد الأدنى لهذا الانتماء. لاأكثر ولا أقل.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store