Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

حكم النساء وسلطان الأنوثة الناعم

الغريب أن حكم النساء في المجتمع الإسلامي قليل ويكاد لا يظهر، فقد حكمت نساء ووصلن إلى أعلى مراتب القيادة، في مجتمعات ذات حضور إسلامي، وسيّرن دفة الدولة كما يجب، في إندونيسيا، الهند، وباكستان على وجه الخصوص، وفي الصين أيضاً في بعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة

A A
إن الحب محرك إيجابي للبشرية. يتحكم في أنفاسها، كما يتحكم الساحر في حركة مسحورة. للأسف، نحن في مجتمعات إنسانية كل يوم تكبر فيها الكراهية قليلاً، وتتمدد نحو الكثير من المساحات البكر في نفسية الإنسان. ربما كان للأسباب الاقتصادية دور مهم في ذلك، لكن يبدو لي أن السبب الأكبر ربما كان حكم الذكورة التي لا تفضي إلا إلى المزيد من المهالك. حكم الذكور الذين ينتهي بهم الأمر، في الأغلب الأعم إلى سلطان القوة. القوة مسلك ذكوري بالدرجة الأولى، وبدائية وحيوانية معلنتان. يكفي أن نرى صراعات الدِّيَكة والأكباش والأيائل والنمور، وغيرها من الحيوانات الشرسة، لندرك بسهولة أن الحيوان الذي فينا حي أبداً ولا يمكنه أن يموت بسهولة. فهو المحدد لمداركنا ومصالحنا اليومية ومداراتها. ومهما كانت المبررات الظاهرة والخفية، يظل العنف، من حيث الهيمنة على الأقل، سمة ذكورية. ماذا لو حكمت النساء الوطن العربي؟ لدينا في التاريخ نماذج كثيرة، كانت المرأة فيها هي الحاكمة. على الرغم من بعض النهايات الفجائعية، فقد زرعت المرأة في مؤسسة السلطة عموماً شيئاً من الإنسانية، على العكس من التسيير الذكوري البارد الذي يصل أحياناً إلى الفاشية والحكم المطلق. منحت ملكة مصر، كيلوبترا، درساً في حكمها للذكورة وهي تسبِّق الحب وتضعه على رأس خياراتها لدرجة الانتحار في النهاية. ماذا فعلت زنوبية ملكة تدمر في عيشها وسلطانها؟ لقد حكمت بشجاعة. قامت أولاً بتوطيد حكمها في تدمر والبادية، وبإقامة الثغور، مثل حلبية وزلبية، وما زالت آثار الثغرين قائمة حتى اليوم على ضفتي الفرات. وتمت لها السيادة على آسيا الصغرى ومصر.
الغريب أن حكم النساء في المجتمع الإسلامي قليل ويكاد لا يظهر. فقد حكمت نساء ووصلن إلى أعلى مراتب القيادة، في مجتمعات ذات حضور إسلامي، وسيّرن دفة الدولة كما يجب، في إندونيسيا، الهند، وباكستان على وجه الخصوص، وفي الصين أيضاً في بعض المناطق ذات الأغلبية المسلمة. المعضلة إذن ليست دينيةً مطلقاً، ولكنها مرتبطة بتقاليد السلطة والتسيير في المنطقة العربية الإسلامية. قد تعود المسألة إلى التربية والارتباط بالتقاليد الأكثر جفافاً التي ترى في المرأة خطراً داهماً؛ إذ هي «ناقصة عقل ودين»، وتتم تزكية ذلك بالدين. وإلا كيف نفسر أنه لا توجد في العالم العربي، وعلى الرغم من الدساتير التي تضمن بعض حقوق المرأة شكليّاً، والتي لا تتذكر المرأة إلا كصوت، وفق الحاجات الانتخابية. نعرف من خلال بعض التحقيقات، أن الكثير من زوجات الرؤساء العرب يشكلن سنداً كبيراً لأزواجهن، ولكنهن يظللن في الخفاء والظل. الكثير من القرارات المتخذة متأتية منهن. وهذا في حد ذاته ليس عيباً، يمكنه أن يكون سنداً إيجابيّاً. لكن يمكننا أن ندفع بالحالة التأملية إلى الأمام بشكل أعمق: لماذا لا تستلمن الحكم كرئيسات، ورئيسات وزراء؟ أقصى منصب تصل له المرأة العربية هو وزير أو رئيس حزب؟ أما منصب الرئيس لا يرد في المائة سنة الأخيرة، حتى كحلم. وكأن الحكم لا يليق إلا بالرجال. هناك شيء في العقل العربي يحتاج إلى هزة عنيفة ليتملص نهائيّاً من كل الخردوات الفكرية التي تعطل المسيرة العربية نحو الرقي والتقدم. لا يعقل ونحن في عميق ألفية جديدة، أن تظل أنماط التفكير في المرأة متحجرة. الحكامة ليست قسراً على الرجل كيفما كانت قدراته الذهنية والعقلية، ولكنها تمس المرأة إذن عندما تتوفر فيها نفس شروط الحكامة الموجودة عند الرجل. ويمكنها أن تفوز بأعلى المراتب وتتجاوزه أيضاً. ما الذي يمنع المرأة من أن تكون جادةً وناجحةً في ممارسة سلطانها. لا يوجد أي مبرر عقلاني لحرمانها من تحقيق النجاحات السياسية. لماذا نجحت كمحامية، قاضية، برلمانية، وزيرة، رياضية، طبيبة، عسكرية، سائقة تاكسي أو طيارة، محاسبة، وغيرها من الوظائف، ولا تفلح في إدارة شؤون البلاد؟ تخلف فِكري جعل المرأة جزءاً من سقط المتاع. وهو إهانة لذكاء المرأة. يحتاج هذا الأمر الى تفكير حقيقي وجدي لا يحرر فقط الذهنيات من شططها الفارغ، ولكن يدفع بالمرأة إلى الحضور الحقيقي، حق تنتظره منذ قرون، علينا أن لا ننسى أن نسبة النساء في الوطن العربي تتجاوز ٥٢ بالمائة. أي أكثر من عدد الرجال، والاهتمام بوضعيتها أكبر من كل شيء.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store