Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أويس عبدالرحيم كنسارة

التدين ليس مظهراً

A A
•• يُحكى أن امرأةً مَرَّت على مجلسٍ، فقالت: من الفقيه فيكم؟.. فأشاروا إلى أحدهم، فقالت له: كيف تأكل؟ فقال لها: أُسمِّي باسم الله وآكل بيميني وآكل مما يليني. فقالت له: وكيف تنام؟ قال: أتوضأ وأنام على جنبي الأيمن، وأقرأ وردي من الأذكار. فقالت: أنت ﻻ تعرف أن تأكل وﻻ أن تنام! فاستغرب وسألها: إذًا كيف الأكل والنوم؟

فقالت له: لأي دخل بطنك حراماً، وكل كيف شئت، وﻻ يكون في قلبك غلٌّ لأي أحد، ونم كيف شئت، فما أخبرتني به هو أدب الشيء، وما أخبرتك به هو جوهر الشيء وحقيقته.

•• يا سلام! الجوهر! هل نهتم بالجوهر؟.. أم نهتم بالمظاهر والشكليات؟.. الحقيقة أن الناس تُفتن بالمظاهر، خصوصاً عند إصدار الأحكام، فتجد البعض يحكم على استقامة الرجل ودينه؛ من حجم لحيته، ومقدار تقصيره من ثوبه، ويحكمون على صلاح المرأة وصلاحيتها من لون عباءتها، وطريقة تحجّبها، فكُلَّما عمّ السواد زاد الصلاح، وهذه الطريقة في إصدار الأحكام كارثية، فكم خالفت هذه المظاهر مخابرها وبواطنها؟

•• يلفت أنظارنا الأديب مصطفى محمود، في أحد كتاباته، عن أهمية الجوهر، بأن «جاهلية قريش لما اختلفوا على من يحمل الحجر الأسود ويضعه فى مكانه وأوشكوا على الشجار والقتال ظهر لهم محمد على رأس الطريق.. لم يقولوا جاء ذو اللحية، جاء محمد. بل قالوا: جاء الأمين، جاء محمد..؛ (لأن الأمانة كانت جوهر الموضوع، وكانت هي أساس التفضيل).

•• فالتدين قد يكون صفةً متعلقة الصلة بجوهرها وهو الخُلق، وقد يكون شكلاً يغطي رذائلَ شتى، مجرد مظهر، وقد يكون صاحب الذنوب (المظهرية) أكثر إيماناً وقرباً من الله في مخبره، ولكن السؤال المهم، قبل أن نحكم بالمظاهر، هل يعنينا فعلاً أن نحكم على الآخرين؟ إذا كانت الإجابة بنعم ملحّة، وضرورية، فعلينا بالمعيار الجوهري، وهو الخلق، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا في الحديث أن الدين هو المعاملة!

•• إذن، الإيمان ليس حكراً على المنتقبات، وليس حكراً على أصحاب اللّحى، وليس حكراً على روّاد المساجد، وعندما تأمَّلت قول الله عز وجل: {ورحمتي وسعت كل شيء} أعرضت عن كل من يُفسّق الآخرين، ويطلق الأحكام عليهم جزافاً، بناء على مظاهرهم، ومن أجل مسائلَ معظمها خلافية، كالغناء وكشف الوجه.. فما يعنينا فقط، هو التعامل والأخلاق، وحسب.

•• ختاماً، ما أصدق هذه الأبيات:

‏وأنتَ تبحثُ عن عَيبي لتفضحَني

‏فكّر بعيبِكَ، إنّ الله سِتّيرُ

‏قد يَدخلُ النار من أبدى استقامتهُ

‏وقد يؤولُ إلى الجنّاتِ سِكّيرُ!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store