Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
إبراهيم محمد باداود

يا قدسُ معذِرةً...

A A
في الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا تاريخيا سبق أن تردَّد من قبله من رؤساء أمريكيين سابقين في اتخاذه، حيث قام ولأول مرة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، واصفا هذا التحرك بأنه (خطوة متأخرة جدا)، مدعيا بأن ذلك من أجل دفع عملية السلام والعمل باتجاه التوصل إلى اتفاقٍ دائم، وطالب ترامب وزارة الخارجية الأمريكية ببدء الاستعدادات لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا القرار بأنه تاريخي، وأن إسرائيل ممتنة جداً لترامب لهذا القرار.

بالرغم من أن ردود الأفعال العربية والإسلامية والعالمية تجاه هذا القرار كانت كبيرة، لما تُمثِّله القدس من مكانة في قلوب المسلمين بشكلٍ خاص، والعالم بشكلٍ عام، وبالرغم من حالة الاستياء التي عمَّت كل الأوساط، وبالرغم من التحذيرات التي انطلقت من أرجاء العالم قبل صدور القرار، والتأكيد بأن مثل هذه الخطوة قد تساهم في نسف عملية السلام، وأنها تصب في مصلحة الجماعات المتطرفة، والتي قد تتخذ مثل هذا القرار ذريعة للقيام بعمليات إرهابية، وأن مثل هذا القرار يُعدُّ خروجا عن السياسة الأمريكية المتبعة من عقود، إلا أن الرئيس الأمريكي دعا في كلمته التي أصدر فيها القرار إلى (الهدوء) و(التسامح) و(الاعتدال)، (وذلك لكي تعلو أصوات التسامح على أصوات الكراهية)، مؤكدا أنه بإصدار مثل هذا القرار فهو يوفي بتعهده الذي أطلقه أثناء الحملة الانتخابية، معتبرا أن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل «ليس أكثر أو أقل من إقرار بالواقع».

منذ وقوع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وبالرغم من سيطرة العدو الإسرائيلي على أرض المقدس، إلا أن هذه السيطرة لم تحظَ بأي اعتراف دولي، ولم يتجرَّأ رئيس سابق بالاعتراف بها، وأبقت كل الدول سفاراتها في تل أبيب تأكيدا منها على هذا الأمر، ولكن الرئيس الأمريكي الحالي أبى إلا أن يدخل التاريخ بمثل هذا القرار، ويتحدَّى العالم أجمع لكي يرضي حلفاءه بل وأصهاره من الإسرائيليين، والذين وجدوا فيه بغيتهم، واستطاعوا أن يُحقِّقوا من خلاله ما عجز مَن سبقه من رؤساء أمريكيين في تحقيقه، فكان لهم مثل هذا القرار الغاصب وغير المسؤول، والذي صدم العالم أجمع.

المملكة العربية السعودية استنكرت وأسفت لهذا القرار، والذي سبق أن حذَّرت من العواقب الخطيرة لمثل هذه الخطوة غير المبررة وغير المسؤولة، كما أكدت أنه بالرغم من أن هذه الخطوة لن تغير أو تمس الحقوق الثابتة والمصانة للشعب الفلسطيني في القدس وغيرها من الأراضي المحتلة، ولن تتمكن من فرض واقع جديد، إلا أنها تُوضِّح حقيقة الموقف الأمريكي وانحيازه للوقوف مع العدو الإسرائيلي، وتجاهل تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة.

معذرة يا قدس، ولكن مهما قالوا وفعلوا ونالوا منكِ، فستبقى مكانتك في قلوبنا كأولى القبلتين، ومسرى نبينا، وسيبقى مقامك مرفوعا عليا في الأرض المباركة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store