Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

بعض التصحيح مصيره قبيح!!

الحبر الأصفر

A A
كُلُّ عَمَلٍ بَشري يَعتَريه الخَطَأ والنِّسيَان والتَّقصير، والحَكيم الحَكيم مَن يَفتَح صَدره وعَقله، ويَتقبَّل مَن يُرشده إلَى أَخطَائِهِ، ويَفرَح بهَذَا الإرشَاد، وكَأنَّه تَطبيقٌ عَملي لعِبَارة سيّدنا «عمر بن الخطاب» –

رَضي الله عَنه-، «رَحِمَ الله امرَءًا أَهدَى إلَيَّ عيُوبِي»..!

ولَكن -ومَا بَعد لَكن يُوجع أَحيَانًا- لَيس كُلّ النَّاس يَتقبّلون تَصحيح الخَطَأ، بَل إنَّ البَعض مِنهم يَعتَقد أَنَّ تَصحيح الخَطَأ لَه، هو جَرحٌ لمَشَاعرِهِ، أَو إهَانَةٌ لكِبريَائِهِ، وعِزّة نَفسه، خَاصَّة إذَا كَان المُخطئ ممَّن يُشَار إليهم بالبَنَان، أَو مِن رَفيعي الشَّأن، أَو مِن أَصحَاب القَامَات والمَقَامَات..!

وهَذه الإشكَاليَّة لَيست وَليدة عَصرنَا هَذا، بَل هي قَديمة قِدَم الزَّمن، حَتَّى إنَّ بَعض مَن قَام بالتَّصحيح نَدِمُوا؛ لأنَّ شُؤم فِعلهم وردَّات أَفعَال مَن صَحّحوا لَهم، كَانت أَقسَى وأَنكَى، وإليكُم القصَّة التَّالية، التي حَدَثَت فِي القَرْن الرَّابِع الهِجري، لشَيخِنَا الإمَام «أبي أحمد العسكري»؛ حَيثُ يَقول فِي كِتَابه «شَرح مَا يَقع فِيهِ التَّصحيف والتَّحريف»: «ممَّا خَصّني مِن شُؤمِ التَّصحيف، أَنِّي سَمعتُ بَعض الرُّؤسَاء ممَّن لَه سُلطَان يَنشد:

فقَلتُ لعَبدالله إذْ حَنّ بَاكيًا

تَعَزّ ودَمع العَين مُنهَمِلٌ يَجري

فعرَّفته أَنَّ الرِّوَايَة الصَّحيحَة التي رَوَاهَا «الأَصمعي»، ورَوَاها «المبرد» عَن شيُوخِهِ: إذْ «خنّ» بالخَاء المعجمَة، وأَنَّ الخَنين تَردُّد البُكَاء فِي الأَنف، والحَنين مَا كَان فِي الصَّدْر.. فانكَسر لذَلك، ثُمَّ تَعقّبني فِي مُعاملةٍ كَانت بَيني وبَينه؛ بمَضرّةٍ أَجحَفَت بِحَالِي»..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: يَبدو أنَّه مِن الجيّد؛ إذَا رَأَى الإنسَانُ خَطَأً، فعَليه أَنْ يَغضَّ الطّرف عَنه، أَو أَنْ يُحَاول إصلَاحه بمُنتَهَى الذَّكَاء، حَتَّى لَا يَكون مَصيره؛ مِثل مَصير شَيخنَا «أبي أحمد العسكري»، الذي جَنَت عَليهِ نَبَاهته، وجَلبَت لَه المَضرَّة والإجحَاف..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store