Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سعيد محمد بن زقر

المحسوبية

خواطر اقتصادية

A A
المحسوبية ممارسات سالبة تلحق أضرارًا بالغة بمجالات التعامل التجاري، وممارساتها شائعة في كل البيئات، وفيها يمنح بيروقراطي أفضلية لصديق أو لجهة على حساب أخرى، مما يلحق ضررًا بالعملية الاقتصادية، ولأن المحسوبية محرك للأزمات الاقتصادية يندفع الاتحاد الأوروبي في جدل حاد حول وجودها في دولة كإسبانيا التي تتصاعد فيها بمعدلات غير حميدة؛ لذلك قام فريق برئاسة مانويل غارسيا سانتانا، من جامعة ليبريه دوبراكسيلس بدراسة آثار الظاهرة على الاقتصاد الإسباني، وغطت الدراسة الفترة بين 1995 إلى 2007. وبينت نتائجها أنه بينما كانت إنتاجية الاقتصاد الأوروبي تنمو بنسبة 0.4.5% فإن الإنتاج الإسباني كان ينخفض بنسبة 0.7%، مع أنه كان ينمو بنسبة 3.5%

، والمفاجئ في الدراسة، أن الانخفاض في الإنتاجية شمل جميع المجالات وليس نشاطًا محددًا، مما أشار إلى أعراض أخرى، بينتها التفاصيل التي أوضحت أن المحسوبية متفشية في تعاملات تجارية متعددة تمت بين البيروقراطيين وبعض المنشآت التجارية، وجعلتهم يفضلون تلك المنشآت على حساب منشآت أخرى. وكان ثمن التفضيل ماليًّا أو أدوات ذات قيمة. هذا التفضيل شكل فسادًا؛ لأن البيروقراطي سمح لنفسه بمنح منشآت ضعيفة الكفاءة مشروعات غير مؤهلة لتنفيذها؛ مما فتح شهية منشآت أقل كفاءة لتنافس وتسود وتكسب في وقت قصير، في المقابل تراجعت الحصة السوقية لشركات متميزة بالجودة والإنتاجية.

وهكذا عندما تصبح قلة الإنتاجية والكفاءة بالمنشآت المدعومة بالمحسوبية معيارًا في أي اقتصاد فإن ذلك سيقود حتمًا لخفض الإنتاج العام، وبالتالي التراجع الحاد بالاقتصاد كما في حالة الاقتصاد الإسباني. ومع أن أزمة إسبانيا وصفت بأنها قوقعة عقار، فإن الاقتصاد الإسباني عانى من مرض نخر جسده وكاد يقضي عليه، ورغم تعدد الآراء في تفسير الظاهرة إلا أن أغلبية الآراء رأت أن المصارف كانت تريد هذه المنشآت التي تكسب العقود الحكومية مع إنتاجية رديئة. مما يعني وجود علاقة سببية بين المحسوبية والإنتاجية المنخفضة في الاقتصاد. ومع وجود عوامل أخرى لعبت دورًا في تراجع نسب الإنتاج العام، ولكن المحسوبية ظلت عاملًا أساسيًّا في إلحاق الأذى بالنمو ومؤشراته.

إن المحسوبية كظاهرة لا يخلو منها أي اقتصاد؛ ما يستلزم عدم إدارة الظهر لممارساتها، بسن أنظمة تحد منها، وتعمق الوعي بسلبياتها، واعتبارها استغلال نفوذ لمصالح شخصية نفعية ضيقة، بدون ذلك ستصبح شطارة وقدرة على تجاوز الأنظمة بالتعدي عليها وعلى الأعراف والأمانة التي يحملها الفرد، فأي اقتصاد تسوده المحسوبية مصيره التراجع وانخفاض الإنتاجية والعكس صحيح.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store