Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عاصم حمدان

قرار ترامب.. الخطوة الحمقاء!

رؤية فكرية

A A
من ملامح التفكير الغربي استقراؤه للواقع واستشرافه للمستقبل، والبناء على هذين العاملين بما يخدم مصالحه الذاتية، ولقد أفاد اليهود من وجودهم في المجتمعات الغربية من هذه الملامح الفكرية والثقافية والحضارية، فرسموا من خلال المؤتمرات التي كانوا يعقدونها في الغرب، ومنها مؤتمر باذل في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وكان محور ذلك المؤتمر، والذي ضم جميع التوجهات الفكرية بعيدًا عن الخلافات الشخصية والرؤى الذاتية، فكان همّ الحركة الصهيونية، هو قيام الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين العربية والمسلمة، وبعد قيام هذا الكيان الغاصب، بدأت الدوائر الفكرية والثقافية في التنظير لهوية الدولة الناشئة، وكان المجتمع في إسرائيل منقسمًا بين صهيونية اشتراكية وأخرى دينية، وقد تلاشت الأولى بفعل قوّة التيار اليميني المتشدّد، وكانت بداياته بعد حرب أكتوبر 1973م، حيث استطاع إرهابيو الأمس، أمثال إسحق شاميير ومناحيم بيجن وأرييل شارون أن يصبحوا رؤساء ومسؤولين في حكومة الكيان الصهيوني بعد أن كانوا مطلوبين للعدالة، وذلك بعد تفجير فندق الملك داوود في يوم 22 يوليو 1946م، حيث كان هذا الفندق مقرًّا للقيادة العسكرية البريطانية إبان حقبة الانتداب. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، وهو بمقدار ما يتعامل حكّام إسرائيل مع الغرب بغطرسة وكبرياء ويملون على قادة هذه الدول الغربية ما يريدون تحقيقه على أرض الواقع، كما نشاهد الآن، من تأثير بالغ الشدّة على بعض الحكومات الغربية من قبل اللوبي الصهيوني، بالاعتراف بمدينة القدس عاصمة موحدة كما يزعمون لدولة إسرائيل، ونلمح عند التيار اليميني الغربي التأثير الديني بكتاب العهد القديم (التوراة) على السّاسة؛ بل أصبحت الهيمنة للعهد القديم على العهد الجديد (الإنجيل)، ومظهر ذلك يبدو جليًا في انقياد حكومات الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة لرغبات الكيان الصهيوني والدفاع المستميت عن جرائمه، والوقوف ضد الإجماع الدولي في كل المحافل العالمية باستخدام حق النقض (الفيتو) أمام أي محاولة عالمية لمعاقبة إسرائيل على جرائمها المتكررة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وعلى الرغم من الميل والهوى الصهيوني الموجود عند جونسون وريغان وهارولد ويلسون ومارغريت تاتشر إلا أنهم لم يفكّروا في ما قام به ترامب أخيرًا، وإحجامهم عن ذلك ليس انحيازًا لجانب العرب، بمقدار ما هو الخوف على مصالح بلدانهم مع الدول العربية، وهذا يقودنا إلى القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد اختارت اللحظة الأضعف في تاريخ العالم العربي الحديث، بحيث تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية مع الليكود الإسرائيلي تحقيق الحلم الإسرائيلي والصهيوني دون أدنى اعتبار لمشاعر الأمة العربية والإسلامية، ولعل هذا يقودنا إلى القول صراحة إن العالم العربي لم يشهد في كل حقبه السابقة حالة من التشرذم والضعف والانكفاء على الذات بمثل ما يشهده اليوم، ويمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت من خلال خطوتها الحمقاء هدية للحركات اليمينية الدينية المتطرفة، وقد يجدوا اتباع داعش في هذه الخطوة باعثًا شديدًا لهم لارتكاب مزيد من الجرائم وإلصاقها باسم الإسلام، بمعنى آخر هو القضاء على التيار المعتدل والوسطي الذي يحاول التقريب بين الحضارات والأديان وهو ما يتطلع إليه كل العقلاء في كل أرجاء المعمورة. وعلينا أن نقر أخيرًا بأن كثيرًا من الدول الغربية لم تسر في الركب الأمريكي، وفي مقدمتهم المملكة المتحدة، وفرنسا، وروسيا وغيرها، فلقد عبّروا عن التزامهم بما عرف بحل الدولتين، وهو الحل الذي يجنب المنطقة والعالم أجمع المزيد من الصراع وأهوال الحرب، ولكن بخطوة ترامب فإن حظوظ هذا الحل تتضاءل إلى حد بعيد، إن لم تكن قد نسفت تمامًا.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store