Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

سراب الوحدة العربية

علينا الاعتراف بأن العرب لن يتوحَّدوا في إجراء وحدوي واحد ينقلهم من التمزق الذي يعيشونه إلى الكيان الحلم الذي ينشدونه. بل يجب أن توضع إستراتيجية عربية جديدة يترك للمفكرين والسياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين من كل الأوطان العربية صياغتها، عبر هيئة يتم تكوينها تضمهم

A A
يتجدد الحديث عن وحدة العرب والوحدة العربية بين الحين والآخر، في أوساط الشباب والمفكرين العرب، بل والشيوخ، خاصة كلما تكالبت الأمور السيئة من أطراف في الإقليم وخارجه، وبشكل خاص كلما أمعن الإسرائيليون في إذلال العرب عبر فلسطين أو العدوان العسكري على سوريا أو لبنان، وبالرغم من سعي العرب، عبر جامعتهم، تقديم مشروعات حلول سلام، إلا أن الإسرائيليين يجدون دائمًا (عيوبًا) تمنع قبولهم السلام مع العرب، عبر حل للقضية الفلسطينية، ويُعبّرون عن قبولهم بالحل مع الدول العربية، ولكن بعيدًا عن فلسطين.

وشاهدتُ مؤخرًا على اليوتيوب مقطعًا لحوار على قناة عربية يقول فيه محلل سياسي إسرائيلي: إن الإسرائيليين غير مهتمين بالسلام مع العرب؛ إذ كيف يمكن لهؤلاء العرب تحقيق سلام مع أي طرف إذا كانوا هم عاجزين عن تحقيق السلام لأنفسهم، وأتى بأمثلة شملت العراق وسوريا واليمن وليبيا. وهذا قول يعكس استهانة إسرائيل بقدرة العرب على شن حرب ضدها، مهما فعلت، وإحساسها بالأمن في وضع تسعى عبره إلى التهام الأراضي الفلسطينية وإلغاء الفلسطيني من على الأرض الفلسطينية، وأخيرها وليس آخرها ما وصفه نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأنه قرار تاريخي باعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.

العربي يحلم بقيام رباط سياسي عربي يحتوي الكيانات العربية المتعددة، إلا أن عجز الكيانات السياسية العربية عن توحيد نفسها، بأي شكل من أشكال الاتحاد، جعل قوى إقليمية، بالإضافة للدولية، تسعى لاستغلال التعدد العربي، غير الصحي، وتتبنى قضايا المفترض أنها عربية بالدرجة الأولى مثل فلسطين، ويعتبرها المواطن العربي حيوية بالنسبة إليه، مستهدفة حرمان الأنظمة العربية من تعاطف مواطنيها وكسبهم إلى جانبها. وشاهدنا مؤخرًا كيف سارعت قوتان إقليميتان، هما إيران وتركيا، مؤخرًا إلى استخدام إعلان دونالد ترامب، بشأن القدس لصالح شعاراتهما السياسية، بعيدًا عن العرب وجامعتهم.

لقد سعى العرب، منذ أن أتيح لهم إقامة كياناتهم الحالية بعيدًا عن الهيمنة العثمانية أو الاستعمار البريطاني والفرنسي، إلى إقامة اتحاد عربي يلم شمل الكيانات التي أنشؤوها، ولكن أغلب حكوماتهم واصلت التصرف كقبائل متحاربة متنافسة في خصومات متواصلة عجزت بها عن تحقيق الحلم العربي في الوحدة، وهذا دليل على أن الإستراتيجية العربية لتحقيق تكتل عربي لا يمكن لها أن تحقق الهدف الوحدوي العربي ما لم تتغير تغيُّرًا جذريًّا؛ إذ علينا الاعتراف بأن العرب لن يتوحَّدوا في إجراء وحدوي واحد ينقلهم من التمزق الذي يعيشونه إلى الكيان الحلم الذي ينشدونه. بل يجب أن توضع إسراتيجية عربية جديدة يترك للمفكرين والسياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين من كل الأوطان العربية صياغتها، عبر هيئة يتم تكوينها تضمهم، وتضع في حساباتها بناء الوعي العربي بأهمية بناء المجتمعات العربية، أي كل وطن عربي كوحدة سياسية واجتماعية واقتصادية هدفها اندماج مع الكيانات العربية الأخرى، كلبنة أولى في بنيان الكيان الوحدوي، وأن يتم ذلك ضمن برنامج زمني وعملية تنفيذية يشارك فيها المواطن العربي. وتحديد أن تكون الأولوية لبناء اتحادات إقليمية تستهدف ضمن فترة زمنية معينة التجمع داخل اتحاد أكبر، أكان فيدراليًّا أو كونفدراليًّا، بحيث تتحقق وحدة عملية للعرب المشتتين حاليًا، فهل نجد من يتبنَّى هذه الفكرة القديمة الجديدة ويسعى لتنفيذها؟!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store