Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
لمياء باعشن

السينما في السعودية

حين نذهب إلى السينما فنحن ندخل إلى عالم مذهل أكبر من حجم تخيلاتنا، ومن خلال تلك اللقطات المؤطرة يتهيأ لنا أننا ننظر إلى غيرنا من نافذة مفتوحة على عالم أوسع يشبه عالمنا ويغايره. تأخذنا الأفلام إلى حيث لم نذهب، توسع وجهة نظرنا وتفتح أعيننا على احتمالات لا نهائية. السينما نافذة، بل هي عدسة مكبرة لواقعنا اليومي تدفع حدود الواقعية إلى أبعاد أكثر إمتاعاً وإدهاشاً

A A
من يرفض السينما ويعارضها هو في الحقيقة يحكم على نوعية معينة من الأفلام التي يرى أنها لا تتوافق مع منظومته العقائدية أو الأخلاقية، ولهذا التوجه كل الاحترام والحرية في المقاطعة، ولكن ليعرف جيداً أنه يقاطع تلك الأفلام ولا يقاطع السينما في حد ذاتها. كلمة «سينما» تشمل المكان والفن والمنتج، أي دار العرض، والفيلم المعروض، وفن السينما كأساس معرفي وتقني. قد لا تعجبك القصة، أو أحد الممثلين، أو قد يُزعجك مشهد، أو حوار، أو قد تُريحك الرقابة المشددة على مقاطع بعينها، لكن التجربة السينمائية في مجملها تظل مهمة ومطلوبة كأفق معرفي

في هذا العصر الحاضر.

وكما أنك تُقرُّ بفن الشعر وعظمته، رغم أنك تُزندق شاعراً، أو تُفسّق قصيدة، فإن فن السينما يُنتج أنواعاً عديدة من الأفلام التي قد تروقك وتجعلك تشهد على روعة وجمال هذا الفن الابتكاري الرفيع. لابد أن نعترف بأننا بمعاداتنا للفن بشكل شامل ودون انتقائية، بقينا في حقيقة الأمر خارج السياق التاريخي. وربما نسمح لأنفسنا بالتسابق والهرولة للحاق بركب الحضارات المتقدمة بالاجتهاد في الرياضيات والحواسيب والهندسة والطب وغيرها من المجالات العلمية البحتة، ولكننا نُشدد في صراعاتنا مع الجوانب الأجمل في تكويننا البشري. هو عقل واحد حباه الله بالتفكير والتأمل، وبالتعبير والتخيل، ونحن نعرف أن الفكرة العلمية التي تنال إعجابنا هي بذرة خيال جامح، محض افتراض تعززه التجربة

والاثبات.

السينما ما كانت لتكون لولا فنون أخرى سبقتها، ونبذناها هي أيضاً، أو لم نعرها ما تستحقه من اهتمام ورعاية، فلا رسم، ولا نحت، ولا تصوير، كما أننا لم نملك مسرحاً، ولا احترمنا الأداء التمثيلي، ولا كتبنا روايات، بل وحيّدنا حكاياتنا الشعبية، واستخففنا بمحتواها الثري. نظرنا إلى كل الفنون بريبة على أنها تلهية وتضييع وقت، على أنها تسالي ترفيهية مشبوهة لا مكان لها في حياتنا الجادة الرصينة التي تسعى إلى

الفائدة المباشرة والملموسة.

دخلت السينما حياة الشعوب منذ قرن مضى، لكن تلك الشعوب كانت تؤسس لها على مدى آلاف السنين، وما السينما إلا نوع مسرحي، استبدل الأداء التمثيلي الحي بالأداء التصويري، وما قصص السينما إلا أساطير قديمة وروايات حديثة استبدلت القراءة بالمشاهدة، وما دار السينما إلا خشبة مسرح، حتى أن مسمى movie theatre يقرن السينما بالمسرح. هنالك أسس كثيرة متجذرة في الثقافات الأخرى وقد تراكمت ونحن لم نلق لها بالاً بزعم أنها تسالي فارغة لا قيمة لها. واليوم، بعد طول قطيعة

واستحقار، ستدخل السينما إلى مجتمعنا، غريبة مستغربة، ونكرة مستنكرة.

السينما في شكلها إنما هي ابتكار علمي تقني في حالة تطور مستمر، ولكنها في جوهرها صيغة فنية جمالية معقدة تحاول عرض التجارب البشرية وأنماط سلوك الأفراد داخل ظروف حياتية مختلفة، ومثل غيرها من الفنون، تخفي رسائلها التعريفية والأخلاقية خلف ستار التسلية والجذب. وقد يرى البعض أن السينما لم تفارقنا أبداً، وأننا تابعنا الأفلام من خلال الفيديو أو قنوات التلفزيون، لكن الحقيقة أن السينما أمر آخر، وعناصرها يجب أن تكتمل لتتحقق التجربة السينمائية: دار عرض عامة، وفيلم على شاشة ضخمة وبمكبرات صوتية،

وحشد من الأفراد يمتزجون في كتلة المتفرجين.

حين نذهب إلى السينما فنحن ندخل إلى عالم مذهل أكبر من حجم تخيلاتنا، ومن خلال تلك اللقطات المؤطرة يتهيأ لنا أننا ننظر إلى غيرنا من نافذة مفتوحة على عالم أوسع يشبه عالمنا ويغايره. تأخذنا الأفلام إلى حيث لم نذهب، توسع وجهة نظرنا وتفتح أعيننا على احتمالات لا نهائية. السينما نافذة، بل هي عدسة مكبرة لواقعنا اليومي تدفع حدود الواقعية إلى أبعاد أكثر إمتاعاً وإدهاشاً.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store