Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

ضرورة استكشاف الدور الأمريكي في مواجهة إيران

A A
أي دورٍ ستتخذه الإدارة الأمريكية، فعليًّا، في مواجهة إيران؟ هذا سؤال في غاية الأهمية، سيما بعد ما ذكرناه الأسبوع الماضي عن احتمال وجود سيناريو خطير يتعلق بترسيخ سيطرة إيران على سوريا، تمهيدًا لاستكمال مخططها في الهيمنة على المنطقة، بمدخلٍ يختبئ وراء الواجهة الروسية.

وبما أن ثمة إجماعًا على أن إيران تُشكل فعلًا التهديد الاستراتيجي الأكبر على المنطقة بأسرها، وعلى دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة. يبدو التحليل الدقيق لكل الأوراق المتعلقة بكيفية مواجهة ذلك التهديد أمرًا ملحًّا وضروريًّا.

أحد أهم تلك الأوراق، دون شك، يتمثل في الموقف (العملي) للإدارة الأمريكية من الملف الإيراني. مع الإصرار على كلمة (العملي)، أخذًا بالاعتبار معطيات مُعبّرة سَيَرِدُ بعضها في هذا المقال.

فعلى سبيل المثال، يبدو إيجابيًّا، رؤية التقرير الذي قدمته مندوبة الأمم المتحدة «نيكي هايلي» للأمم المتحدة والعالم عن أدلةٍ لتورط إيران في محاولة قصف مطار الرياض، فضلًا عن ملامح تدخلها العسكري السافر في اليمن وغيرها. خاصةً وأن هايلي تحدثت عن «تحركٍ من وزارتي الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي الأمريكي لمواجهة التصرفات الإيرانية المزعزعة للاستقرار». أكثر من هذا، طالبت «هايلي» المجتمع الدولي بالانضمام إلى الولايات المتحدة في مواجهة تلك التصرفات، بل وبناء تحالف دولي لذلك الغرض.

ثم إنها استخدمت كلمات يُفترض أن تكون ذات معنى عملي في هذا الإطار، حين قالت: «نقوم بالكشف عن هذه المعلومات؛ لأن النظام الإيراني لا يمكنه الاستمرار في تهديد الأمن والسلم، والأمر يعتمد علينا للتصدي للتصرفات الإيرانية، ولا بد من هزيمة هذا التهديد».

ما يزيد المفارقة غرابةً أن الإدارة، وخاصة وزارة الدفاع، بذلت جهدًا واضحًا في ترتيب الحدث المذكور، بشكلٍ غير مسبوق، في قاعدة أناكوستيا العسكرية بالعاصمة واشنطن. وقالت إنه يأتي كجزء من استراتيجية إدارة ترامب لتقديم أدلة واضحة على استمرار إيران بخرق قرارات الأمم المتحدة. وأخيرًا، أكدت لورا سيال، المتحدثة باسم البنتاغون، أن واشنطن قدمت للعالم الدليل على استراتيجية إيران الخبيثة، بحسب تعبيرها، مضيفةً: «نحن نقدم هذه الأدلة حتى يتمكن حلفاؤنا وشركاؤنا الدوليون بمن فيهم منظمات مثل الأمم المتحدة، من الاطلاع على الأنشطة الإيرانية بصورة قاطعة».

بالحد الأدنى من المنطق، ماذا يوحي كل هذا الجهد وتلك التصريحات، خاصةً عندما تصدر عن مثل هذه الإدارة؟

في اليوم التالي تمامًا، عقد وزير الدفاع الأمريكي؛ جيمس ماتيس، مؤتمرًا صحافيًّا في الوزارة ذكر فيه - فوق كل ما قالته هايلي - أن أمريكا ترى أن «إيران منخرطة بقوة في إبقاء بشار الأسد في السلطة، على الرغم من ارتكابه مجازر بحق شعبه، بما في ذلك استخدام أسلحة كيميائية». ثم إنه هاجم إيران أيضًا؛ بسبب دعمها لحزب الله اللبناني، مؤكدًا على أن «ما تقوم به إيران حاليًا غير شرعي، ويُسهم في قتل أبرياء».

هكذا، كان الوطيس، لساعات، يبدو حاميًا أكثر فأكثر ضد إيران وانتهاكاتها الشنيعة. وكانت الإدارة الأمريكية تبدو في مقام خلق زخمٍ مبنيٍ على الحقائق المتعلقة بكل ممارسات إيران المخالفة لكل القوانين الدولية. وكاد هذا الزخم يوحي بحتمية وجود ممارسةٍ عملية تعطي درسًا (فعليًّا) لإيران، ولو بحجم رمزي.

لكن وزير الدفاع ختم تصريحاته بما يشبه إلقاء سطلٍ من الماء البارد على جمرٍ متقد. فقد صرح - بعد كل ما سبق - أن بلاده لا تعتزم «إطلاقًا»، وليس لديها «أي نية» للرد عسكريا على إيران؛ بسبب «دورها المزعزع للاستقرار»، مشددًا على أن «الرد الأمريكي لن يتعدى الإطار الدبلوماسي».

وفي عبارة قد تحمل الكثير من الدلالات، قال الوزير متحدثًا عن وجود المندوبة هايلي في القاعدة العسكرية المذكورة أعلاه: «لهذا السبب، فإن من كانت هناك هي السيدة هايلي، وليس أحد جنرالاتنا»!..

هل نعيش حقًّا، عمليًّا مرةً أخرى وليس نظريًّا، استمرارًا لسياسة أوباما باستنكاف أمريكا عن قضايا المنطقة المهمة استراتيجيًّا للعرب، وتركهم لمصيرهم؟ وهل بات من المصلحة بناءُ سياسات تتمحور حول تلك الحقيقة والممارسات العملية، بدل التصريحات النظرية؟ المهم ألا يفوت الأوان قبل التفكير جديًا بتلك الأسئلة الحساسة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store