Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد الثبيتي

سفر برلك.. والتهجير الوحشي!!

A A
من الممكن أن يخفت صوت التأريخ أحيانًا، ولكن صوت الظلم يبقى مُجلجلًا في ثنايا سِيَره المتواترة وتتناقله الأجيال؛ ليكون شاهدَ إثبات على سلوكيات أقل ما يقال عنها إنها «انتقامية»، والمُخجل أنها ضد شعب أعزل من حكومة يُفترض أن تكون حريصة على رعاياها، بدلًا عن التعسف المُنظَّم لتغيير التركيبة الديموغرافية للمجتمع، وهذا ما حدث مع فخري باشا أحد قادة الدولة العثمانية العسكر الذي تولى حكم المدينة المنورة في عام 1915م، واتخذ الخوف من قيام ثورة فيها على غرار الثورات التي اجتاحت الوطن العربي آنذاك ذريعة لإشباع غروره التسلطي عن طريق تشتيت أهلها وتهجيرهم إلى تركيا وبلاد الشام، ناهيكم عن ضياع الكثير من الإرث الثقافي والتأريخي المحلي والإسلامي الذي صاحب هذا التهجير الوحشي الإنساني والمادي.

والمؤلم أن يقوم حاكم مسلم في العصر الحديث كأرودغان بالدفاع عن هذا القائد الدموي، الذي جعل من مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام ثكنةً عسكريةً لممارسة شغفه الدموي، في الوقت الذي كان من المُفترض أن يُقدِّم اعتذاره لما أقدم عليه جده فخري باشا، ولكنها الأيديولوجية المقيتة التي تُسيطر على فكر أردوغان والعنصرية المُحركِة لغريزته دفعته للتفاخر بتأريخ أجداده الأسود الذي لم تجنِ منه الجزيرة العربية سوى التخلف بكل صوره، فأرعد وأزبد في حشد من أتباعه لتعريف منتقدي فخري باشا بماهيته التي لا يُلَمِّعها سواه، مُستغلًّا الواقعة في تعظيم ذاته وتضخُّم الأنا عنده، متناسيًا موقف العرب مع فخري باشا، رغم كل الممارسات غير الأخلاقية تجاه أبناء جِلدتهم؛ حيث كانوا - كعادتهم - في قمة الكرم فَخيَّروه بين البقاء مُعززًا مُكرَّمًا أو العودة من حيث أتى.

إن رحلة خمس سنوات عجاف مرَّتْ على المدينة المنورة جرَّاء الطيش العثماني القائم على الإقصاء - حرِيٌّ بأهلها مقاضاة الحفيد المتفاخر بأجداده الظلمة وتركيعه أمام العالم المنشد للسلام ومحاسبته على ما أقدم عليه من مدحٍ لوَالٍ يتسم بصفات مجرمي الحروب أولًا، ومطالبته بتقديم اعتذارًا صريحا على كل ما قام به فخري باشا من تهجير دموي لأهلها ثانيا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store