Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

قبل 1979م كُنَّا مسلمين أيضًا!

من هم من جيلي وأجيال قبلي وبعدي، عاشت قبل عام 1979م/ 1400هـ، تذكر جيدًا كيف كانت الحياة قبل، وكيف أصبحت بعد! فقدنا الإحساس بطعم الحياة، وأجيال نشأت تتخبَّط في متاهات التضليل، لم تعرف عن الزمن الجميل

A A
ختمتُ مقالة الأسبوع الماضي بهذه الفقرة: «خرجنا من مستنقع عام 1979م، وبدأنا نضع أقدامنا على عتبة العالم، الذي كُنَّا نُدفع بعيدًا عنه باسم الدِّين، الذي كُنَّا نعيشه قبل ذلك العام بكل قِيمه وتعاليمه دون محاضرات، أو دُعاة وداعيات حرَّموا علينا كل شيء حتى البهجة، تحت غطاء إسلامي، استُغِل بكل صورة، لتشويه صورة الإسلام من جهة، ومجتمعنا من جهةٍ أخرى، واستغلال هذا الفراغ والظلام والإظلام لاختراق عقول شبابنا، واستقطاب شريحة عريضة من المجتمع تُناصر أفكارهم الظلامية، وتدعم جهودهم التخريبية؛ لتتم سيطرتهم على مجتمع تم تجهيله وتعطيل تفكيره، عن طريق تلقينه أفكار الكراهية، والتفريق بين أبنائه بالطائفية والعنصرية والطبقية المقيتة، التي لم نكن نعرف شيئًا منها، حتى إننا لا نسأل جارنا الجديد عن طائفته ومذهبه أو قبيلته وجنسيته.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، كما يقولون، أورد ما كتبته صديقتي على صفحتها على فيسبوك: «أعود بالذاكرة إلى زمن نشأتي، فأرى كيف كان الإسلام يتجسَّد سلوكًا فطريًّا في عباداتهم وعاداتهم في زمنٍ لم نعرف فيه وُعَّاظا ولا دُعاة، أُناس يعرفون دينهم ويُمارسونه بلا ضجيج إعلامي، ولا وُعَّاظ مُتجهِّمين، أو دعاة نصّبوا أنفسهم حماة للدين، بعضهم لم يتجاوز علمه صفحات قليلة قرأها، فانطلقوا وراءنا في كل وسائل التواصل بفتاواهم ومواعظهم وصراخهم».. لا أعرف متى كتبت صديقتي هذه الكلمات، ولا أعرف لماذا كتبتها واحتفظت بها، ثم سقطت من ذاكرتي كما تسقط كل الأشياء، وكأن جدار الذاكرة اهترأ، وأصبح خَرْقَه يمرر كل الأحداث أولًا بأول، ربما هي علامات الزهايمر المبكّرة، وربما من كثرة الأحداث المتلاحقة والحوادث المتتابعة أصبحت تتدافع في الذاكرة ويُسقط بعضها بعضًا، لكن ذكريات الماضي التصقت بجدار الذاكرة كالوشم، لا يؤثر فيها الزمن، ولا عملية التدافع، أو أنه يتشبث بالزمن الجميل، مع أن كل زمن جميل، لمن عاشه طفولةً وشبابًا، قوةً وفرحًا، أحلامًا وآمالًا، أمنيات وطموحات.

من هم من جيلي وأجيال قبلي وبعدي، عاشت قبل عام 1979م/ 1400هـ، تذكر جيداً كيف كانت الحياة قبل، وكيف أصبحت بعد! فقدنا الإحساس بطعم الحياة، وأجيال نشأت تتخبَّط في متاهات التضليل، لم تعرف عن الزمن الجميل

، ليس فقط بانفتاحه وبساطته ووجود السينما والمسلسلات والأفلام الأمريكية على شاشة التلفزيون، لكن بالقيم والأخلاق، وحسن الجوار، والتكافل بين الأهل والجيران، عندما شكاني جاري الذي لا أعرفه وأنا أقوم ببعض الترميمات في داري، صُدمت من أسلوبه وسلوكه وصيغة الشكوى المقدمة ضدي، وكأني من ألد أعدائه، رغم أني أرسلت اعتذاري عن أي إزعاج تسببت لهم فيه، وكذلك فعلت مع جاري الملاصق لداري، هُم قبلوا، وأولئك أعادوا هديتي، ليكمل التصدي لي بكل ما توفر لديه من إمكانات «الواو»، واتخاذ كل الإجراءات ضدي كإيقاف العمل والغرامة وإزالة ما تم ترميمه.

ليست هذه القضية هي محور موضوعي، ولكنها مَثَل لفُقدان قِيَم الجوار في زمنٍ حمل لافتة «إسلامي» شكلًا مفرغًا من المعنى الجميل لقيمة الإسلام ومعانيه، بل متطرفًا عنيفًا حتى في تعاطيه مع قضية جوار يمكن أن تحل أو تنتهي بالتفاهم، لكن القضية أن كل أولئك الدعاة والداعيات فشلوا في الإبقاء على قِيمنَا العظيمة، وحوّلوا الدين إلى وسيلة لمحاربة المجتمع، ومحاربة أي بارقة أمل لنخطو خطوة واحدة باتجاه المستقبل. لم يتورعوا عن إغواء الناس بفضلهم ومنزلتهم وقُربهم من الله، وكأنهم يبيعون لهم صكوك الغفران، التي امتلك «البابا» حق بيعها على المذنبين في أوروبا في حقبةٍ ما!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store