Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

في المتن الثقافي

القناة الثقافية خلال سنواتها الماضية غابت كثيرًا عن الفعاليات والأنشطة الثقافية المختلفة، وتغاضت بشكلٍ لافت عن الأدب وفنونه، وبالغت كثيرًا في العناية بالثقافة بمفهومها الواسع الفضفاض، حتى تضاءل الفارق بينها وبين القناة العامة، فأصبحت شبه نسخة مكررة منها

A A
شهد الوسط الثقافي المحلي، الأسبوع الماضي ثلاثة أحداث حظيت بوافرِ متابعةٍ واهتمام. ويُعد معرض جدة الدولي الثالث للكتاب في مقدمة تلك الأحداث التي حازت على الاهتمام الأكبر؛ نظرًا لقيمة الحدث وأهميته. سأُركِّز هنا على جزئية كانت ولا تزال محل تجاذب بين المثقفِين مع كل معرض كِتَاب يُقام، وهي جزئية (البرنامج المصاحب) للمعرض. الجميع يتفق على جدوى البرنامج، لكنهم يختلفون على مسألة الكيف والكمِّ، وبرنامج معرض جدة هذا العام الذي قامت بأمره اللجنة الثقافية للمعرض برئاسة الأستاذ «حسين بافقيه»، لا أظنه إلا جاء مغايرًا لما سبقه شكلًا ومضمونًا، مع اليقين بأنه - المعرض - وغيره لن يُحقِّقوا منتهى الرضا وغاية الكمال، ومع هذا، فإنني لا زلتُ أرى بأن البرنامج المصاحب - خاصةً عندما يكون مزدحمًا - يغدو مشتتًا للجهود، مشغِلًا للقائمِين بأمر المعرض، صارفًا للزائرِين عن أولوياتهم. وعليه فجدير بأن يُعاد النظر في (كَمِّ) فعاليات البرنامج المصاحب، على أن تُقلص لأدنى مستوى، وتدور حول الكتاب وقضاياه. أمر آخر ملاحظ وهو استضافة المعرض بعض الجهات التي ليس لها صلة وثيقة بالثقافة، فتراها تشغل مساحات من المعرض على حساب الكتاب الذي أُقيم المعرض من أجله؛ ولذا فمع استمرارية الاهتمام الزائد بالبرنامج المصاحب والمبالغة في كم فعالياته، إضافةً لشَغل بعض الجهات غير الثقافية مساحاتٍ من المعرض، فإنني أخشى أن يكون الكتاب في قادم الأعوام (ضيفًا غريبًا) في داره ومحفله. فليتنا نُركِّز على الكتاب، ونُقلِّص الفعاليات المصاحبة، ونمنع وجود الجهات غير الثقافية، خصوصًا وأن الزائرِين جاؤوا وغاياتهم الكتاب. ومن يشدِّد على الإكثار من الفعاليات المصاحبة ويتلهَّف لحضورها فأين هو عن مثيلاتها التي تُقام في الأندية الأدبية والصوالين الثقافية وغيرها؟!.

الحدث الثاني هو اشتغال وزارة التعليم على إدراج الأدباء السعوديين، ضمن المناهج (المقررات) الدراسية، وهو الأمر الذي طال انتظاره، مع أن هناك وجودًا - على استحياء - لبعض الأسماء في المناهج الدراسية. من أوضح الإشكاليات التي ستقع فيها اللجنة هي قضية النماذج الشعرية التي ستضمِّنها المناهجَ، وهل ستُركِّز على القصيدة العمودية أم على قصيدة التفعيلة أم على قصيدة النثر (النثيرة)؟ أرى أن المراحل الدراسية الثلاث ينبغي أن تكون مناهجها متضمنةً نماذج للعمودية والتفعيلة فقط؛ كونهما تمتازان بغنائية عالية، ليتمكن الطلاب من صقل ذائقتهم الأدبية بالقصائد ذات النمط الإيقاعي (الظاهر)، على أن تكون القصائد متجددة في لغتها وصورها ورؤيتها، لا أن تُجامَل فتأخذ مكانها في المناهج؛ كونها موزونة مقفاة فحسب؛ إذ ليس كل نظم شعرًا، مع إمكانيةِ مشاركةِ قصيدةِ النثرِ العموديةَ والتفعيلةَ في المرحلة الثانوية.

الحدث الأخير يتمثل في قرار تحويل القناة الثقافية إلى قناةٍ عامة، والحقيقة أن المتابع للقناة الثقافية يجدها تحمل سمات القناة العامة وملامحها؛ من حيث برامجها وموادها الإعلامية؛ ولذا فمسألة تحويل الثقافية إلى قناةٍ عامة أراه لا يأتي بجديد. القناة الثقافية خلال سنواتها الماضية غابت كثيرًا عن الفعاليات والأنشطة الثقافية المختلفة، وتغاضت بشكلٍ لافت عن الأدب وفنونه، وبالغت كثيرًا في العناية بالثقافة بمفهومها الواسع الفضفاض، حتى تضاءل الفارق بينها وبين القناة العامة، فأصبحت شبه نسخة مكررة منها. فليت أن التوجه يُركِّز على نوعية البرامج والمواد، على أن تلتزم الثقافية بمفهوم الثقافة بشكلٍ جاد ومقنن، وتُعنى بالأدب وفنونه؛ كونه روح الثقافة وأصلها الأصيل وقلبها النابض.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store