Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

رؤية وجه الصحافة يتغير

فإن ظهور شبكات التفاعل الاجتماعي وثورة الهاتف الجوال أضافت بُعدًا جديدًا لعالم الإنترنت واستخداماته بشكلٍ أسهم في تغيير ليس فقط صناعة الإعلام، بل العالم من جوانبه الاجتماعية والتجارية والسياسية والاقتصادية والتعليمية كافة

A A
قليلًا ما تتاح لنا فرصة رؤية التاريخ وهو يتشكَّل، ورؤية صناعة هامة وهي تتغيَّر بشكلٍ جذري، تتبدَّل معه الكثير من مفاهيمها وأسسها ومصطلحاتها. هذه الفرصة أُتيحت لأولئك الذين يعملون منذ التسعينات في صناعة الصحافة - وأنا منهم - ممن كانوا شهود عيان على التغيُّرات المذهلة التي طالت كل جزئيات هذه الصناعة من طباعةٍ وتوزيع، وتحرير وإعلان.. وغير ذلك.

عملت طوال التسعينات في مكتب الشركة السعودية للأبحاث والنشر في أمريكا، وأذكر جيدًا كيف كُنَّا نستقبل صفحات جريدة الشرق الأوسط عبر الأقمار الصناعية لتُطبع في أكثر من مركز، ثم تُوزَّع بشكلٍ مجهد ومكلف جدًّا.. وكيف كان الصحافيون في مكتب واشنطن يستخدمون الآلة الطابعة والفاكس، قبل أن يتحوَّلوا إلى الكمبيوتر والإيميل. أذكر أيضًا زيارتي لإحدى الشركات المهتمة بتطوير تكنولوجيا الصحافة في مقرهم بشقة صغيرة جدًّا في واشنطن؛ حيثُ عرض عليَّ مالكُ الشركة تكنولوجيا «الفيديوتكست»، التي أبهرتني بقدرتها على تمكين المستخدم من تحميل نصوص الأخبار، وقراءتها على شاشة التلفزيون، كما عرض عليَّ نظامَ لوحة النشرات Bulletin Board System، الذي يتيح للمستخدم الدخول على الأخبار بكمبيوتر موصول بمودم.

ذلك الانبهار بالفيديوتكست لا يُقارن بانبهاري، عندما اشتركتُ في منتصف التسعينات في خدمة الإنترنت بشركة «أمريكا أون لاين» الشهيرة، والتي كان مقرها الرئيس يبعد دقائق معدودة عن منزلي في منطقة شمال فرجينيا. هذه الشركة والشركتان المنافستان لها، وهما «برودوجي» و»كمبيوسيرف»؛ مثلوا بداية مرحلة جديدة كليًّا لصناعة الإعلام. مرحلة تختلف عن جميع مراحل تطور الإعلام التي سبقتها، بدءًا من اختراع مطبعة جوتنبيرج (1456م) واختراع الراديو (1920م) ثم اختراع التلفزيون (1933م). هذه الشركات وفرت لمشتركيها قدرًا كبيرًا من المحتوى الإخباري والترفيهي، ووجدت الصحف في مواقعها مكانًا ملائمًا لوضع محتواهم التحريري. وقبل حلول عام 1996م كان واضحًا أن الشبكة النسيجية العالمية أصبحت وسيلةً مذهلةً للدخول على المعلومات، ولم تنتهِ حقبة التسعينات حتى كانت معظم الصحف الغربية قد أعلنت عن إنشائها لمواقع مستقلة خاصة بهم على الشبكة.

لقد بزغت الإنترنت كأحدث وسيلة اتصال جماهيري، وأسرعها نموًّا على مرّ التاريخ، وهي لا زالت تنمو بشكل سريع جدًّا، سواءً من حيث عدد مستخدميها الذي نمى من 5.13 مليون مستخدم عام 1994م إلى 8.3 بليون مستخدم في 2017م، أو عدد المواقع عليها (نمت من 600 موقع عام 1993 إلى أكثر من 160 مليون موقع عام 2007م)، أو من حيث تنوع الخدمات التي تقدمها.

من ناحية أخرى فإن ظهور شبكات التفاعل الاجتماعي وثورة الهاتف الجوال أضافت بُعدًا جديدًا لعالم الإنترنت، واستخداماته بشكلٍ أسهم في تغيير ليس فقط صناعة الإعلام، بل العالم من جوانبه الاجتماعية والتجارية والسياسية والاقتصادية والتعليمية كافةً.

سأتحدث في مقالات قادمة عن عدد من المفاهيم التي ينبغي على كل صحافي اليوم معرفتها، بنفس قدر معرفته بـ»مطبعة جوتنبرج» وتأثيراتها، ومنها: قانون مور، ثورة السيليكون، عصر الإعلام اللامحدود، نظرية الابتكارات المدمرة، نظرية فائض المعلومات، وغرفة الأخبار المدمجة، باعتبارها مفاهيمَ أساسيةً لا غِنَى عنها لفهم الإعلام الجديد، والقدرة على التعامل معه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store