Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

نصرة الإسلام.. بمنطق التزييف والأوهام

ما الذي يجري في عالم المسلمين وفي واقعهم اليوم؟ أي ضغطٍ هذا الذي يشعرون به إلى درجةٍ تجعل شرائح من نُخَبِهم (طبيب ومعلم ومهندس و.. و..) تغفل عن حجم الكذب والخداع في مثل هذ الموضوع، وتتصرف تجاهه بشكلٍ أوتوماتيكي، الأرجح أن من وضع هذه الفضيحة على الإنترنت كان يعرف أنها ستكون مُحرّك الفعل البشري بين أولئك الذين يُعرّفون أنفسهم بالإسلام، بأي درجة وبأي طريقة.

A A
«هااااام قررت منظمة اليونسكو جلسة خاصة لعمل استفتاء لدين الإسلام للاعتراف به ديانةً رسميةً في الولايات المتحدة الأمريكية، إذا نسبة التصويت أكثر للموافقة على دين الإسلام ديانة رسمية سيصبح الإسلام ديانة رسمية في أمريكا يمكن المشاركة في التصويت، وسيتم احتساب صوتك ادخل وقم بالتصويت وشاهد نتيجة التصويت من هنا...»

هكذا، وبِكَمّ الركاكة والأخطاء اللغوية الواردة فيها، وصلتني الفقرة أعلاه، منذ أيام، كرسالة من صديق (طبيب) يحثني على التصويت لـ.. نُصرة الإسلام!

أذهلني هذا الاستخفاف بكل مقتضيات المنطق السليم والمعرفة بشؤون العالم، في حدها الأدنى، من مدخل الحماسة للدين. وزاد في الذهول متابعتي للموضوع ومعرفتي بأنه وصلَ للكثيرين، وبأنهم قاموا فعلًا بالتصويت. ويبلغ الذهول منتهاه حين يعلم القارئ الكريم أن كثيرًا من هؤلاء ليسوا، أصلًا، من (الملتزمين)، بالمعنى التقليدي للكلمة، بشعائر الدين وتعاليمه فيما يتعلق بكثير من القضايا مثل العبادات والزي على سبيل المثال.

ما الذي يجري في عالم المسلمين وفي واقعهم اليوم؟ أي ضغطٍ هذا الذي يشعرون به إلى درجةٍ تجعل شرائح من نُخَبِهم (طبيب ومعلم ومهندس و.. و..) تغفل عن حجم الكذب والخداع في مثل هذ الموضوع، وتتصرف تجاهه بشكلٍ أوتوماتيكي؟.

الأرجح أن من وضع هذه الفضيحة على الإنترنت كان يعرف أنها ستكون مُحرّك الفعل البشري بين أولئك الذين يُعرّفون أنفسهم بالإسلام، بأي درجة وبأي طريقة.

ليس لدي أي شك أن من ألّفَ هذه القصة ليس مسلمًا. وهذا ليس تفكيرًا دفاعيًّا كما قد يظن البعض لأول وهلة. فبالنسبة لي، ما هو أكثر سوءًا، وبدرجةٍ فضائحية، يكمن في التفاعل معها والحماس لها ونشرها والدعوة إلى تعميمها.

لم أفكر وقتها لوهلةٍ إلا في ردٍ كتبته للصديق، ولم يخطر في بالي للحظة أن أدخل مجرد دخول إلى وصلة الصفحة المرفقة بالكلام. لكن التفكير بكتابة هذا المقال دفعني للدخول إلى الموقع يوم كتابته.

تضغط على الوصلة، فتظهر لك وثيقةٌ وهمية بتوقيعٍ، وهميٍ بدوره، تذكر أن جهةً ما (صاحبة التوقيع)، وبشعارات وهمية، تعطي هذه الشهادة/الوثيقة بأن «الإسلام هو الدين الأكثر سلميةً في العالم». بعدها تسألك الصفحة، قبل الوصول إلى التصويت، ما إذا كنت مسلمًا أم لا، فإذا أجبت بنعم تنتقل إلى صفحة تالية تُسأل فيها: «هل أنت محبٌّ لدين الإسلام؟»، فإذا أجبت بنعم تنتقل إلى صفحة ثالثة تسألك: «ماذا تفضل من هذه الأديان الثلاثة: الديانة الإسلامية – الديانة المسيحية – الديانة اليهودية؟».. لم أكمل التجربة على هذا الطريق؛ لأن الخديعة باتت واضحةً أكثر، وخشيت أن تقود إلى تنزيل فيروس أو شيء من هذا القبيل.

لم أصوت ولم أرسل بطبيعة الحال، لكنني تواصلت مع بعض من أجاب بنعم على أول سؤالين، وتَبَيَّن أن المسار يبقى نفسه حتى في تلك الحالة.

ثمة احتمال كبير بأن هناك عملية جمع معلومات أو إحصاء، وربما لأغراض تجارية، أو لغايات أخرى، من وراء مثل هذا الموضوع. والأرجح أن صاحبه حقق أهدافه بنجاحٍ منقطع النظير.

ففي خضم الحماسة لنصرة الإسلام، لم تنتبه أعداد من المسلمين - لا يعلم بها إلا الله - إلى أن اليونسكو يستحيل أن تقوم بمثل هذه الاستطلاعات، وإلى أنها، أصلًا، منظمةٌ دولية لا تحلمُ بأن يكون لها حق تشريع قوانين في دولةٍ مثل أمريكا، وأن هذه الدولة لا توجد فيها، ابتداءً، أديان رسمية. هذا لكي لا نتحدث عن مستوى الركاكة اللغوية وأسلوب التعبير، والتساؤل عن مصدر الرسالة نفسها. وألف سؤال وسؤال آخر، تصرخ في وجهنا جميعًا بأن طريقنا أطولُ وأصعبُ مما كنا نتصور بكثير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store