Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

فيكتوريا وعبدالكريم

واليوم يبدو أن الحكومة البريطانية والشعب البريطاني عامة، أدركوا جميعًا فداحة ذلك الاضطهاد الذي لقيه الشعب الهندي خلال فترة الاستعمار، ففتحت بريطانيا ذراعيها للمهاجرين عمومًا، ولأهل القارة الهندية خصوصًا؛ حتى أصبحوا يمثلون أكبر جالية في الجزر البريطانية دون منازع، ولا أدل على ذلك من كون عمدة لندن الحالي هنديًّا مسلمًا

A A
من الأفلام البريطانية الحديثة التي أثارت ضجةً في كل الأوساط الفنية والاجتماعية بل والسياسية، فيلم عرضته كل دور السينما البريطانية، وربما الأمريكية والعالمية مؤخرًا، هو (فكتوريا وعَبْدُل) Victoria and Abdul، وعَبْدُل هو اختصار لكل الأسماء الإسلامية التي تبدأ بعبد، مثل عبدالكريم وعبدالعزيز وسواهما، أما فيكتوريا فهي ملكة بريطانيا الشهيرة، إن لم تكن الأشهر التي حكمت لعقود عدة إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وسميت باسمها مؤسسات بريطانية كثيرة عامة وخاصة، إذ كانت فترة حكمها في أوج هيمنة التاج البريطاني على أجزاء كثيرة من العالم، وكانت معظم مستعمراتها حول العالم ما زالت تحت سيطرتها ولم تستقل بعد، ومن أهمها الهند، والشخصية الرئيسة الأخرى التي يعرضها الفيلم هي: عبدالكريم: الهندي المسلم، الذي انتُدب مع زميل له اسمه محمد بخش، من قبل الحكومة الهندية وقتها ليسلما ميدالية تذكارية لملكة بريطانيا وقتها فيكتوريا، ومن ثم يعودان إلى الهند مباشرة، وأحضرا معهما هدايا أخرى كقطع من السجاد الهندي الفاخر، ورغم أن حاشية الملكة شددوا على عبدالكريم أن لا ينظر في عيني الملكة حين يقدم لها الميدالية، إلا أنه كان جريئًا جدًّا ولم يعبأ بهم، واصطنع حديثًا معها، شدّها إليه، ولم تلبث أن قرّبته منها لحسن حديثه وعذوبة منطقه، وبدأ يحدثها شيئًا فشيئًا عن الإسلام وعن أسرته المتدينة، وبالطبع فقد أجَّلت سفره هو وصاحبه بعد أن أُعجبت بحديثه عن ثقافته وحضارة الإسلام، وما إن أخبرها أن معلم الدِّين والقرآن في الهند يلقب بالمنشي، حتى بادرت بالقول له أريدك أن تكون (المنشي) الخاص بي، وأن تعلمني اللغة الأوردية، والقرآن كذلك، وبدأ عبدالكريم فعلًا في دروسه اليومية لملكة بريطانيا العظمى فيكتوريا، وأصبحت تكتب جملًا أوردية بالحروف العربية، وتردد على مسامعه بعض العبارات الأوردية مثل: (أنا ملكة) إلخ.. وكانت العلاقة روحية لا أكثر، وواجهت الملكة بسبب تعلقها بعبدالكريم كل أنواع الصلف والعنت من حاشيتها وأبنائها وبناتها، خصوصًا حين قررت أن تمنحه لقب فارس، وكادوا أن يخدموها بدعوى أنها فقدت عقلها، ولكنها صمدت أمامهم جميعًا، وأبقت عبدالكريم قريبًا منها، حتى دنت منيتها، وجعلته وحده بقربها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ورددت وقتها بعض ما علّمها من القرآن، ومما قالته بوضوح: «الحمد لله» ثم أسلمت الروح.

وأهم فكرة يريد القلم إيصالها هي عنصرية البريطانيين عامة وأسرتهم الحاكمة خاصة، وازدراؤهم لأصحاب البشرة الداكنة وخصوصًا من كانوا تحت حكمهم كالهنود، وبالأخص المسلمون منهم، إذ لم يكن مقبولًا أبدًا وجود هندي مسلم ضمن حاشية الملكة، وأن يقرّب منها بهذه الصورة العجيبة اللافتة، واليوم يبدو أن الحكومة البريطانية والشعب البريطاني عامة، أدركوا جميعًا فداحة ذلك الاضطهاد الذي لقيه الشعب الهندي خلال فترة الاستعمار، ففتحت بريطانيا ذراعيها للمهاجرين عمومًا، ولأهل القارة الهندية خصوصًا؛ حتى أصبحوا يمثلون أكبر جالية في الجزر البريطانية دون منازع، ولا أدل على ذلك من كون عمدة لندن الحالي هنديًّا مسلمًا.

إن المسلم ليأسى حقًّا حين يسمع كل يوم تقريبًا عن حوادث الإجرام الشنيعة المختلفة، من تفجير وطعن ودهس في بريطانيا، أو غيرها من الدول التي أحسنت كثيرًا للمسلمين، ويأسى المسلم أكثر حين تُنسب كل تلك الجرائم للإسلام والمسلمين، ورغم كل تلك الحوادث لم تغير تلك الدول سياستها تجاه المسلمين الذين يعيشون فيها، وكما قال الشيخ محمد عبده قديمًا، حين زار أوروبا: «وجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store