Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أحمد أسعد خليل

الإدارة بالواسطة

ولكن الواسطة التي تؤدي الى الفساد هي التي تقوم على اعتبارات عائلية أو قبلية أو عرقية أو مذهبية أو غيرها، ويتم من خلالها إيصال شخص أو أشخاص الى أمر ما مثل وظيفة محددة أو حتى الى منصب معين أو الترقية أو غيرها بحكم الصلة أو الصداقة

A A
ليس كل من جلس على كرسي المدير كان مديراً ناجحاً، وليست الإدارة لعباً وشطارة، وليست الإدارة أسهماً وتجارة، وليست الإدارة سلطة ونفوذاً، وليست الإدارة مكتباً وموظفين، وليست الإدارة تحكماً وتسلطاً، وليست الإدارة حقاً مكتسباً، وليست الإدارة تشريفاً، وليست الإدارة بيعاً في حارة، وليست الإدارة كلاماً فقط، وليست الإدارة قرارات فقط، ولكن الإدارة علم وفن لا يتقنه الكثير رغم بلوغهم كرسي المدير، وهنا ليس مجالاً لشرح علم الإدارة وأصوله، فهو تخصص علمي له مراجع وأصول، ولكن مع ذلك فهذه الكتب وحدها لا تكفي لصناعة المدير الناجح، بل يحتاج المدير الناجح قبل شيء الى فضائل الدين والأخلاق ومن ثم العلم لكي يحقق النجاح على كرسي الإدارة.

لعل أحد أكبر أسباب الفساد في العالم هي الواسطة التي تمنح الأشياء لغير مستحقها، وكلمة واسطة كما عرفها البعض بأنها «طلب العون والمساعدة من شخص ذي نفوذٍ وحظوةٍ لدى من بيده القرار لتحقيق مصلحة معينة لشخصٍ لا يستطيع تحقيقها بمفرده»، وهي مستحبة اذا كانت فيها منفعة للناس جميعا لقضاء الحوائج أو الشفاعة لمن يحتاجها في عون أو مساعدة، فقد قال الله عز وجل في سورة النساء ﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾، ولكن الواسطة التي تؤدي الى الفساد هي التي تقوم على اعتبارات عائلية أو قبلية أو عرقية أو مذهبية أو غيرها، ويتم من خلالها إيصال شخص أو أشخاص الى أمر ما مثل وظيفة محددة أو حتى الى منصب معين أو الترقية أو غيرها بحكم الصلة أو الصداقة معطياً لهم الفرصة رغم وجود من هم أكفاء أو حتى أقدم منهم يستحقونها، قال تعالى في سورة النساء ﴿وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا﴾ ولو بحثنا لوجدنا صوراً كثيرة لمثل هذه الواسطة في المجتمعات العربية.

المدير بالواسطة قد يحقق بالمصادفة بعض النجاحات وقد يصاب بالفشل وقد تعزز الواسطة تغطية هذا الفشل واستمرار هذا المدير في موقعه، وقد يؤدي هذا الأمر في بعض الأحيان الى استخدام بعض هؤلاء المدراء أنماطاً مختلفة في الإدارة لتغطية هذا الفشل بالعمل بأسلوب الإدارة المركزية أو بأسلوب الإدارة المتعجرفة أو بأسلوب الإدارة السوقية أو الإدارة بالتهديد أو الإدارة بالنفوذ والعلاقات ليغطي بها عقده من الضعف أو النقص ليحاول أن يملأ كرسي المدير بهذه الأساليب الإدارية المختلفة مما قد ينتج عنه أوجه من الفساد المالي والإداري، يؤدي الى تعطيل المصالح والمعاملات للموظفين والمراجعين.

يقول الراحل غازي القصيبي: لا يجوز للإداري - مهما كانت عواطفه الانسانية نحو زميل - أن يبقيه في موقعه إذا كان بقاؤه يعرِّض العمل أو الآخرين للخطر، كما يقول ايضاً (لا شيء يقتل الكفاءة الإدارية مثل تحوُّل أصحاب الشلة إلى زملاء عمل).

مهما تعددت ظاهرة الواسطة وتكاثرت وتناثرت وحتى إن وجدت المناخ المناسب فذلك سوف ينتهي سريعاً في ظل توجه الحكومة للتصدي لهذه الظواهر التي تعيق تنمية الدولة وهدر مقدراتها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store