Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

لا صخب في الروحانية

A A
من القواعد الهامة في الخطاب الدعوي أو الحواري قاعدة (لكل مقامٍ مقال)، وهي تعني مدى التوافق بين موضوع المُتحدِّث ودرجة صوته، وبين الموقف الذي يدور الحديث حوله، فعلى سبيل المثال - لا الحصر - عندما يكون الحديث في المجال الحماسي كحالة الحرب مثلًا، يتم اختيار العبارات الحماسية للمُتلقِّين مع ضرورة رفع الصوت، أما في المجال الروحاني كمنابر المساجد وحلقات الدعوة، فيتم اختيار العبارات الوجدانية المُؤثِّرة التي تُخاطب العقل، وتلامس الوجدان، وتستثير الشجون، لكن اللافت للانتباه أن ما يحدث عندنا هذه الأيام، يخالف تلك القاعدة، وهو أن العديد من أئمة المساجد ومنابر الدعاة يتسابقون على رفع درجات الصخب، وتناسوا أن ذلك الصخب المصحوب بالصوت العالي يُضاعفه مُكبِّرات الصوت المرافقة لهم، والتي يتنافسون على وضعها على أعلى درجات الارتفاع، ثم نجدهم بعد تلك المنظومة الصاخبة يُطلقون أقسى عبارات الترهيب والتنفير التي لا تليق بذلك المقام الروحاني، الذي يُخاطبون فيه الرحمن الرحيم؛ مما يستوجب الخضوع والسكينة. كما تناسوا أيضًا الخطاب القرآني الكريم، الذي يتضمن أمرًا صريحًا بعدم الجهر بالصلاة وخفض الصوت في مقامها، في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا}.. وتناسى هؤلاء قوله تعالى: {واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}.. وفي جانب آخر نجد البعض يقوم بعرض القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت في المساجد، وهذا يستوجب الاستماع له والإنصات له من قِبَل السامعين كافةً في محيط ذلك الصوت، كما في قوله تعالى: {وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}؛ حيثُ يستوجب في هذه الحالة الاستماع له والإنصات، وهذا ما لا يحدث حتمًا، وبما أن تلك الحالة المؤسفة لا تزال تتنامى في مساجدنا، ومنابرنا الدعوية، فإننا نتمنى أن تقوم الجهات ذات العلاقة بإصدار التنظيمات والتوجيهات الموجبة للقضاء على هذه الحالة، فكم نحن بحاجة إلى الكثير من الإجراءات التي تعيد النظر في كثير من ممارساتنا الدعوية، التي لم تجلب لنا إلا النواتج السلبية، التي لا تحقق المبتغى الدعوي، بل نراها تحقق العكس، وكم نحن بحاجة إلى تغيير الكثير من القناعات الشرعية، التي توارثناها دون تمحيصها، ودون موافقتها للمرحلة الزمنية التي نعيشها هذه الأيام، وبما أننا نخوض مرحلة التطوير في مناحينا الحياتية كافةً، ضمن رؤيتنا الطموحة 2030، فإن الجانب الروحاني الدعوي يستوجب أن يكون ضمن تلك المنظومة التطويرية، بما لا يتعارض مع كتاب الله الكريم والصحيح من سنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - والله من وراء القصد.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store