Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

كلام عابر في حقيقة سجن الحائر (4)

الحبر الأصفر

A A
عِندَمَا دَخلتُ السِّجن، لَمستُ مِن كَلَام المَسؤولين؛ أَنَّ مَفهُوم السِّجن لَديهم، لَيس مَكَانًا للعقُوبَةِ والانتقَام، أَو لإيذَاءِ النَّاس، بَل هو أَقرَب مَا يَكون إلَى المَشْفَى أَو الإصلَاحيَّة، التي تَتلمَّس الأَمرَاض الفِكريَّة، وتَسعَى إلَى عِلَاجِهَا، وكَم كَانُوا فَرحين، عِندَمَا طَرَحُوا عَلَى مَسَامعي؛ قصّة أُنَاسٍ دَخلُوا السِّجن، وهُم أَصحَاب أَمرَاض فِكريَّة، وخَرجُوا وهُم مِن الصُّلحَاء، الذين يَحملُون فِي أَيديهم حِجَارَة، لبِنَاء زَوَايَا الوَطَن..!

وحَتَّى نَختم هَذه السِّلسلَة مِن المَقَالَات، دَعونَا نُشير إلَى بَعض الاقترَاحَات، التي أَتمنَّى أَنْ يَتقبَّلهَا المَسؤولون عَن السِّجن بصَدرٍ رَحِب، مَع التَّأكيد عَلَى أَنَّ السِّجن سِجن، ولَيس مَكَانًا للتَّرفيه، إذْ أَنَّه لَا يَخلُو مِن جلُوس الإنسَان مَع نَفسه، ومُرَاجعته لذَاتهِ، وخضُوعهِ للمَعَايير والاشتِرَاطَات الخَاصَّة بالسّجُون. وقَبل الدّخُول فِي المُلَاحَظَات، أُبشِّركُم أَنَّني جَلستُ مَع صَديقي الذي بَيني وبَينه وِدٌّ عَامِر، ونَحنُ فِي خُلوَة، ولَا يَشهَد عَلينَا إلَّا الله، وهو خَيرُ الشَّاهدين. فنَظرتُ إليهِ، ووَضَعْتُ عَيني فِي عَينه، وقُلت لَه: سَأَلْتَك بالله، هَل تَعرَّضت لأَي مَدّةِ يَد، أَو كَلامٍ جَارح، أَو إهَانةٍ غَير مَقبولة؟. فأَقسَم لِي بالله، وهو مُطمئن، وقَال: وَجدتُ أَحسَن مُعَامَلَة، فهُم يَتعَاملون مَعي بأَفضَل مِمَّا تَوقَّعت. ثُمَّ وَدّعتُه وأَنَا أسأَل الله لَه ولغَيرهِ؛ أَن تُدركهم سَاعة الفَرَج، المَبنيَّة عَلَى الأَنظِمَة واللَّوائِح والقَوَانين، وحُسن الصَّلَاح والفَلَاح..!

أُولَى تِلك الاقترَاحَات مِن خِلَال مُشَاهَدَاتي، أَنَّ أَغلَب النُّزلَاء لَديهِ مُشكِلَة مَع جَمَاليَّات الحَيَاة، ومَعرفة طُرق النَّجَاح، لذَلك أَتمنَّى أنْ تُطعَّم كُلِّ مَكتَبَة مِن مَكتَبَات الأَجنِحَة -وهِي كَثيرَة- ببَعض الكُتب، التي تَتحدَّث عَن النَّجَاح وجَمَاليَّات الحَيَاة، وجَلْب نَمَاذِج مِن تِلك السِّيَر القَويَّة، التي تَتحدَّث عَن تَحوُّل العُظمَاء، مِن مَنَاطِق الفَشَل إلَى مَنَاطِق النَّجَاح..!

أَمَّا الاقترَاح الثَّانِي، فهو زِيَادَة تَواصُل واتِّصَال النُّزلَاء بذَويهم، وخَاصَّة الزَّوجَة والأَولَاد والأَبوين، لأنَّ العقُوبَة هي عقُوبة للنَّزيل، ولَيست لأُسرتهِ، مَع العِلْم أَنَّ هَذا سِجن، والسِّجن يَتطلَّب قَدرًا مِن الصَّرَامَةِ والحَزْم، ولَكن هو طَلَب أَتمنَّى أَنْ يَجد القبُول، خَاصَّة وأَنَّ الاتّصَالَات مُتوفِّرة، ولَكنِّي أُريدهَا بشَكلٍ أَكبَر، بِمَا يَتمَاشَى مَع المَعايير التي تَخضع لَهَا بِيئة السِّجون، وتَتمَاشَى مَع تَوجُّه المَسؤولين عَن السِّجن، الذين يَعتبرون النَّزيل حَالَة خَاصَّة، تَستَحق العَطف والرِّعَايَة، والمُسَاعدَة والعِلَاج..!

وآخَر الاقترَاحَات، هي مَوضوع السَّجَائِر، حَيثُ لَاحظتُ أَنَّها تُبَاع فِي كُلِّ بقَالَات السِّجن، لمَن يَشَاء وكَيف يَشَاء، فيَا لَيتَ أَنَّ المَسأَلة تُقنَّن، بحيثُ يُوضع لكُلِّ سَجين؛ عَدد مُعيَّن مِن السَّجَائِر للاستهلَاك اليَومي، وبهَذا نَكون قَد ضَربنا عصفُورين بحَجرٍ وَاحِد، حَيثُ سَاعدنَا مَن يُريد الإقلَاع عَن التَّدخين فِي إقلَاعهِ، وثانياً، جَعلنَا السَّجَائِر مُكافَأَة لمَن يَسلُك السّلُوك الحَسن، وتَكون سِيرته العَطرَة حَديث النُّزلَاء..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: أَعلَم أَنَّ هَذه المَقَالَات لَن تَروق للمُعَانِد والمُكَابِر، أَو الذي لَديه قَنَاعَة لَا يُريد أَنْ يُغيّرها، وقَد يَقول قَائِل أنَّه أُمْلِي عَليَّ، أَو أَنَّ أَحداً اطّلع عَلَى هَذه المَقَالَات قَبل نَشرهَا، ولَكن تَعرفون أنَّني لَيس لِي إلَّا أُمِّي، وأَنَا أُقْسِم لَكُم بمَن يَحفَظ لِي أُمِّي، أَنَّني كَتبتُهَا بمَحض إرَادَتِي، ومَا شَهَدْتُ إلَّا بِمَا عَلِمت، ومَا كَتبتُ إلَّا بِمَا رَأيت، مَع التَّأكيد أَنَّ المَكَان الذي زُرته هو سِجن، ولَيس مَدينة تَرفيه، ولَكن سِجن يَلتزم بالحَدِّ الجَيَّد مِن المَعايير الإنسَانيَّة، والبِيئَة النَّظيفَة، مَع أَنَّه سِجنٌ يُحيط بالإنسَان مِن أَربَع جُدرَان..!

أَمْرٌ آخَر، عَلَى كُلِّ مَن يُشكِّك فِي هَذه المَعلُومَات، ولَديه الرَّغبَة الأَكيدَة للبَحث عَن الحَقيقَة -وأَنَا هُنَا لَا أُخَاطِب المُعَانِد أَو المُكَابِر، وإنَّما أُخَاطِب الأَفرَاد والجَمَاعَات؛ الذين يَعتَبرون الحِكْمَة هي ضَالتهم- أَتمنَّى مِنهم أَنْ يَتوَاصَلُوا مَعي، لأُرتِّب لَهم مَوعداً للزِّيَارَة، فِي الوَقت الذي يَشَاؤون، وبالطَّريقَة التي يُريدون، والله عَلَى مَا أَقول شَهيد..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store