Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

الدماغ وصناعة الأفكار

كيف يعطينا الدماغ أوامره لمساعدة أناس لا نعرفهم، وقد نُعرِّض أنفسنا للخطر وبدون أي معرفة مسبقة ولا مقابل نرجوه؟.. وكيف تكون ردة الفعل مغايرة عند أشخاص آخرين يشاهدون نفس المشهد ولا يُحرِّك فيهم ساكنًا، وكأن شيئا لم يكن؟.

A A
ظل موضوع التفكير وآلية عمل الدماغ مدار خلاف بين الفلاسفة والعلماء، فالعمليات التي يقوم عليها التفكير تتكون من شيء أكبر من أن يوصف بجملة واحدة، فقد وصف دي بونو في كتابه (ميكانيكية العقل) كيفية عمل الدماغ كشبكة عصبية تتيح للخبرة أن تحقق تنظيمًا ذاتيًا عن طريق الإدراك، فالتفكير يتعامل بالإدراك وليس بالمنطق، ولذلك نحن بحاجة إلى فهم عمل الإدراك، إذ إن الإدراك يتمثل في التنظيم الذاتي ونظام المعلومات الناشط، وهذا يختلف تمامًا عن أنظمة المعلومات الخاملة، التي يتم استخدامها في أجهزة الكمبيوتر.

الطفل في سنوات عمره الأولى تتشكل فيه أفكاره وردود أفعاله تجاه المؤثرات الخارجية، لذلك من الأهمية بمكان مراعاة الاهتمام بالتربية والمتابعة الدقيقة من قبل الأم ومعالجة أي انحراف سلوكي في بداياته.

عندما اخترت هذا الموضوع لمقال اليوم، وقعت عيني على مجلة (ناشيونال جيوجرافيك) وعلى غلافها المعنون بـ(هكذا تصنع أدمغتنا الخير والشر)، وبداخل العدد تقريرًا مطولاً عن لوزة الدماغ، حيث بذرة الخير والشر وتساؤلات مطروحة ما الذي يجعل الناس أخيارًا أو أشرارًا؟.. يقول بعض الباحثين: إن الطبيعة التي جبلت عليها أدمغتنا قد تؤثر في مقدار تعاطفنا مع الآخرين والإحساس بمعاناتهم.

كيف يعطينا الدماغ أوامره لمساعدة أناس لا نعرفهم، وقد نُعرِّض أنفسنا للخطر وبدون أي معرفة مسبقة ولا مقابل نرجوه؟.. وكيف تكون ردة الفعل مغايرة عند أشخاص آخرين يشاهدون نفس المشهد ولا يُحرِّك فيهم ساكنًا، وكأن شيئا لم يكن؟

.

العلماء والباحثون يجمعون على أن نشأة الخير والشر في البشر موضع جدل فلسفي وديني.. وفي السنوات الأخيرة حدث تقدُّم مهم في فهم الجوانب العلمية التي تُحرِّك الخير والشر فينا، فكل منهما يبدو أنه مرتبط بسمةٍ عاطفية رئيسة هي التقمص الوجداني، وهي قدرة الدماغ المتأصلة على الإحساس بما يشعر به شخص آخر. وقد وجد الباحثون أن التقمص الوجداني هو الشرارة التي تشعل التعاطف في قلوبنا، وتدفعنا إلى مساعدة الآخرين ممن يعيشون حالة ضيق أو كرب.

ومن خلال تقنية التصوير بالمسح للدماغ تبيَّن للعلماء كيف تنشط الدارة الدماغية، حيث تتيح التنوعات الكائنة في الموروثات لبعض الناس تمييز تعبيرات الوجه بمهارة أكبر، أو زيادة إنتاج إنزيم ذي صلة بمستوى عدوانية أدنى. ومن الناحية النفسية يمكن لطفولة أحيطت بالرعاية أن تُحوِّل شخصًا ميالاً بالوراثة إلى فقدان التقمص الوجداني إلى شخص اجتماعي مسالم.

ومن الجانب الاجتماعي فإن رؤية صديق يبكي أو سماع حيوان يئن مثلاً يمكن أن يستثير التقمص الوجداني والرغبة بإنهاء ما يتصور على أنه معاناة مشتركة.

في حياتنا اليومية قد نُصادف أناساً فائقي الإيثار، فهؤلاء مَن يمتلكون تقمُّص وجداني فائق تجاه الآخرين، وهم أقدر على رصد الألم أو الخوف في وجوه الآخرين.

وتكبح الدارة الدماغية عند 70% من خلال منشأ وراثي، وذلك وفق إحدى التقديرات كما يمكن لإصابة دماغية أو التعرض طويل الأمد للإجهاد أن يضرا بدارة التقمص الوجداني. ومن الأسباب النفسية قد يكون الخوف والجوع والوقوع تحت تأثير مخدر تخفف لوقت قصير الاستجابة للتقمص الوجداني. ومن الأسباب الاجتماعية يمكن أن يحدث تعطيل واسع النطاق عندما تتقيد فئة كاملة من الناس بفكر عدواني أو متعال، كما يحدث أثناء الحروب.

وخلاصة قول الباحثين تفيد بأن دماغنا الاجتماعي مرن حتى في سن الرشد، وأننا قابلون للتدريب على أن نكون أكثر إحسانًا وكرمًا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store