Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
وائل مرزا

في تأصيل «الداعشية»: هل نتعلم من تجاربنا؟

A A
هل كان يجب أن يحصل في سوريا ما حصل خلال السنوات الماضية، وتحديدًا فيما يتعلق بظهور «داعش» فكرًا وممارسة، لكي ندرك كمسلمين حجم الإشكاليات الموجود في التراث؟

يبدو هذا صحيحًا بمراجعة وقائع وأحداث سجّلها التاريخ بالصوت والصورة.

في دراسةٍ له عن المقاتلين الأجانب، في سوريا والمنطقة، يوردُ حسن أبو هنية، الباحث المتخصص في الفكر الجهادي والحركات الجهادية، وقائع تستحق التفكير بعمق، مع كثيرٍ من المراجعات الصريحة والشفافة.

يستعرض الباحث أسباب (جاذبية) التنظيم المذكور قائلًا: «قدرة تنظيم الدولة الدعائية على الاستقطاب والتجنيد وجاذبيته الأيديولوجية تستند إلى شرعيّة الإنجاز، وتوافره على أيديولوجية دينية تتعلق بتمثيل الإسلام السني، وحرصه على بناء دولة تقوم على مفهوم الخلافة وتطبيق الشريعة، وتقديم نفسه كمدافع عن الهوية السنية، وكقوة مقاومة لمواجهة الهيمنة الغربية، وسهولة السفر عن طريق تركيا كونها وجهة سياحية مفضلة، ووجود شبكات دعم وإسناد محلية لديها خبرات واسعة، وسهولة التجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والصدع والانقسام السني الشيعي والتعاطف والتلاحم الهوياتي الديني، وجاذبية الجهاد الشاميّ بحكم الجغرافية الخلابة والمدهشة، وعامل الجذب الدينيّ - التاريخيّ وارتباط الشام بالملاحم والفتن آخر الزمان، وهاجس فكرة الخلافة الإسلاميّة».

هذه نظرةٌ شاملة تحمل في طياتها إحاطةً بجملة عناصر أساسية خلقت ظروفًا، ثقافية وسياسية واقتصادية ولوجستية، جعلت تلك اللحظة من التاريخ توقيتًا مثاليًا لظهور (داعش) وانتشار فكرها، ثم سيطرتها العملية على مساحات واسعة في سوريا والعراق، مع تواجدٍ خطير لها في بقع أخرى من بعض البلاد العربية.

لكن ثمة عنصرًا آخر، يكمن بين سطور التحليل أعلاه، وتجب الإشارة إليه بكل وضوح. هذا ما حاول الباحث فعله بعد ذلك، وإن بشكلٍ غير مباشر.. وذلك من خلال الحديث عن آلية (الفتوى)، التي أشعلت حماس عشرات الآلاف من الشباب، والنساء أحيانًا، لـ(الجهاد) في سوريا. «لم يشهد سوق الفتاوى الجهادية رواجًا كما حدث في الحالة السورية، حيث تحتفظ الذاكرة بأرشيف واسع من فتاوى الجهاد يصعب حصره، وحيث ينحصرُ جدل المفتين في كون الجهاد في سوريا يقع في دائرة الجهاد العيني أم الكِفائي» يقول أبو هنية.. ثم يُعدِّدُ كمًا من الفتاوى التي صدرت عن بعض الشخصيات الإسلامية بخصوص هذه المسألة، فضلًا عن البيانات الصريحة الصادرة عن هيئات وروابط كبيرة ومُعتبرة في المجتمعات المذكورة.

لا تهمنا هنا التسميات بقدر أهمية الفكرة نفسها.. فحين يقول الباحث: «يمكن الرجوع إلى مئات الفتاوى الفردية لأشهر العلماء السنة في العالم العربي»، تصبح العودة ضروريةً إلى (الأدلة والأحكام والنصوص) الواردة في المدونة الفقهية التاريخية، والتي استند إليها، بشكلٍ أو بآخر، كل هؤلاء في إجماعهم اللافت للنظر على المسألة.

يمكن الحوار حول ملابسات تقديم الدعم للثورة السورية وأهلها بأشكال مختلفة، لكن ما يمكن التأكيد عليه يكمن في حقيقة أن تلك الثورة كانت تنفي دائمًا، بلسان أهلها، الحاجة إلى الدعم بالرجال والأفراد.. رغم هذا، وفي حين أن مئات الشخصيات الإسلامية الاعتبارية تختلف اليوم في رأيها بخصوص الكثير من القضايا، إلا أنها (أجمعت) يومها على حث وتشجيع الشباب على (الجهاد) في سوريا بكل الصيغ والألفاظ المتعلقة بهذا الموضوع.

واليوم، يدفع الجميع، داخل سوريا وخارجها، ثمن أخطاء تاريخية كثيرة، نؤكد على أنها لا تنحصر في اتهام التراث، والإشارة بأصبع الاتهام إليه وحده، عندما يتعلق الأمر بـ(الداعشية) فكرًا وممارسة. فهذا تفسيرٌ لظاهرةٍ معقدة من خلال متغيرٍ واحد، وهو منهجٌ نرفضه دائمًا في التعامل مع ظواهر واقعنا العربي والإسلامي، التي لا يمكن معالجتها بهذا الاختزال.

ثمة عناصر عديدة تتعلق بجملة السياسات الإقليمية والعالمية الداخلية والخارجية يجب أخذها بعين الاعتبار ليمكن التعامل جديًا واستراتيجيًا مع هذه المشكلة القابلة للتكرار في غياب الحلول والرؤي الشمولية. لكن هذا لا يجب أن يعني، بالمقابل، التغاضي عن عنصرٍ رئيسٍ وفاعل من تلك العناصر، يُشير إليه هذا المقال، بكل ما يمكن من وضوحٍ وصراحة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store