Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد خضر عريف

مكتبات الأساتذة

وأدعو من خلال هذا المنبر الوطني المسؤولين في جامعاتنا أن يبادروا إلى تخصيص قاعات في الكليات لتكون (مكتبات الأساتذة) بحيث تضم مكتبة أي أستاذ متوفى، إن قرر ورثته التبرع بها، أو مكتبة أي أستاذ قرَّر التبرع بمكتبته لكليته قبل وفاته حفاظاً عليها من الضياع.

A A
ذكر لي الصديق الحميم سعادة الدكتور سعيد بن أحمد الأفندي عميد معهد الدراسات العليا التربوية بجامعة الملك عبدالعزيز أن كلية دار العلوم العريقة بجامعة القاهرة خصصت مكتبة أماً ضخمة بالقرب من قاعة أحمد زكي يماني، وهي قاعة محاضرات حديثة جهزها بالكامل المفكر الإسلامي معالي الشيخ أحمد زكي يماني في التسعينيات الميلادية وأهداها للكلية، وشهدتُ حفل افتتاحها شخصياً.

هذه المكتبة الأم تضم مكتبات صغيرة منفردة تحمل كل منها اسم واحد من أساتذة الكلية المتوفين، أو ممَّن قرروا في حياتهم إهداء مكتباتهم للكلية، ليفيد منها الأساتذة والطلاب، وخصوصاً طلاب الدراسات العليا، ولهذه المكتبات المنفردة أنظمتها الخاصة من حيث الفهرسة والتصنيف والإعارة وسواها، والهدف من ذلك كله الحفاظ على تلك الكنوز المعرفية التي جمعها الأساتذة خلال رحلاتهم العلمية التي تمتد لعشرات السنين من المكتبات المحلية أو العالمية، وقد يكون جزء كبير من تلك الكتب نافداً، ولو بحث عنها دارس أو باحث لما وجدها في أي مكتبة أو دار لبيع الكتب، ناهيكم عن المخطوطات والمصورات والدوريات وربما أبحاث الأستاذ المتبرع ومدوناته التي قد يكون بعضها ما يزال مخطوطاً، ويمكن لبعض المطالعين أن يتصدوا لنشرها وتحقيقها أو تكون موضوعاً لرسالة دكتوراه أو ماجستير.

وذكر لي الدكتور سعيد فائدة أخرى عاشها بنفسه حين زار مجموعة من هذه المكتبات أن بعض الكتب التي تصفّحها من مقتنيات بعض الأساتذة الذين رحلوا عن دنيانا ممن كان يعرفهم أو درس عليهم، كان على كثير من صفحاتها تعليقات مدهشة بخطوط الأساتذة دوّنوها إما للاستفادة منها في بحوث يجرونها، أو لبيانها لطلابهم خلال المحاضرات، وهي إضافات علمية لا تقدر بثمن تُنسب لعلماء رحلوا عن دنيانا الفانية، وبقي علمهم الذي ينتفع به. وهذه البادرة الرائدة من كلية دار العلوم العريقة تحفظ قدراً هائلاً من الكتب والمراجع التي غالباً ما يستغنى عنها حال موت صاحبها، لأن الورثة في الغالب لا يعرفون قيمتها، ويشعرون بالضيق منها لما تشغله من حيّز في منزل المتوفى، خاصة إن كانت شقته صغيرة وهي حال معظم الأساتذة المصريين، وقُيّض لي أن أزور كثيراً منهم في العقود الثلاثة الماضية ومنهم العلامة الأستاذ الدكتور رمضان عبدالتواب، كنت أزوره مراراً في شقته القديمة في المنيل بالقاهرة، ورأيتُ بعيني تكدُّس الكتب في داره وصولاً إلى مدخل الشقة الضيقة وحول (الكنبات) في الصالون الذي كان يستقبلني فيه رحمه الله.

أذكر قبل عقد من الزمان أن ورثة الفيلسوف الأستاذ أحمد الشيباني كانوا ينوون إهداء مكتبته الضخمة التي تملأ مقتنياتها سبع غرف على الأقل لجامعةٍ ما في المملكة، فسارعتُ بإخبار معالي أ.د. أسامة بن صادق طيب مدير جامعة المؤسس آنذاك، فبادر إلى توجيه عمادة شؤون المكتبات، بزيارة دار الفقيد والتنسيق مع ورثته لنقل المكتبة كاملة إلى جامعة المؤسس، وكان ذلك ولله الحمد، وتولى المهمة الصديق الحميم سعادة الدكتور نبيل قمصاني عميد شؤون المكتبات حالياً، وضُمّت هذه المجموعات الرائعة إلى مجموعات المكتبة المركزية بجامعة الملك عبدالعزيز ليفيد منها جميع المهتمين.

وأدعو من خلال هذا المنبر الوطني المسؤولين في جامعاتنا أن يبادروا إلى تخصيص قاعات في الكليات لتكون (مكتبات الأساتذة) بحيث تضم مكتبة أي أستاذ متوفى، إن قرر ورثته التبرع بها، أو مكتبة أي أستاذ قرَّر التبرع بمكتبته لكليته قبل وفاته حفاظاً عليها من الضياع، كما حصل مع كثير من الأساتذة الذين بيعت كتبهم في حراج (الصواريخ) بأبخس الأثمان، وكم أتمنى أن تكون جامعة المؤسس - كعادتها- السبَّاقة إلى مثل هذه المبادرات، كما يحرص عليه دائماً مديرها الفذ معالي الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبيد اليوبي وفقه الله.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store