كتب الاقتصادي الدكتور عبدالله بن ربيعان مقالاً مميزاً بعنوان «اللاشيء بعشرة آلاف دولار» ذكر فيه أن الاقتصاد ينتج سلعاً وخدمات، ويحتاج إلى نقود وعملات يتم بها تبادل هذه السلع والخدمات، ولا يخرج الإنتاج بتاتاً عن كونه مصنفاً تحت بند «سلعة» أو «خدمة». ثم تساءل بعد ذلك عن تصنيف العملات الافتراضية (ومنها البتكوين) مؤكداً أنه لا يمكن تصنيفها كسلعة لأن للسلع جسماً مادياً ملموساً بينما البتكوين لا تعدو كونها كوداً رقمياً، كما أنه لا يمكن تصنيفها كخدمة لأن للخدمة منفعة محسوسة ومتحققة وهذا لا يتوفر في البتكوين. مضيفاً أن «العملات الافتراضية» فوق كل ذلك لا يمكن تصنيفها كعملة لأن للعملات مواصفات محددة منها قابلية التداول في الأسواق للبيع والشراء، واستمدادها لقوتها يكون من قوة الدولة وضمانها، وهو ما لا ينطبق على البتكوين.
ومع كون هذا التحليل منطقياً وصحيحاً، إلا أني علقت عليه في تويتر بتغريدتين قلت فيهما:«نعم، الإنتاج الذي نعرفه لا يخرج عن كونه سلعاً أو خدمات، وهي حقيقة عهدناها على مر العصور، لكن واقع التكنولوجيا اليوم يفرض حقائق جديدة علينا تقبلها أو على الأقل عدم تهميشها، فمثلاً من كان منا يتخيل يوماً أن تطبيقاً (application) لا يملك أي أصول ملموسة مثل أوبر تصل قيمته السوقية 68 مليار دولار، أي أكثر بـ 20 ملياراً من القيمة السوقية لعملاق صناعة السيارات جنرال موتورز».
وبالتالي «علينا في ضوء هذه المتغيرات المذهلة للتكنلوجيا الرقمية أن نكون مستعدين لتقبل حقائق جديدة لم تكن يوما قابلة للتصديق.. حقائق تختلف عن الكثير من المفاهيم والأسس التي اعتدنا عليها وألفناها، ومن ذلك نظام البتكوين الذي لا زال غامضاً وقد يموت في أي لحظة، أو قد يتحول إلى واقع وحقيقة لها معاييرها وتشريعاتها الخاصة».
قبل أقل من عقدين من الزمن لم يكن كثيرون يقبلون مجرد التفكير في المتغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا وأصبحت اليوم واقعاً معاشاً لا مناص منه. وللعلم فإن المتابع لتلك المتغيرات يدرك أنها تزداد سرعة وخروجاً عن المألوف وليس العكس، وبالتالي فإن علينا أن نبدأ فوراً في استشراف المستقبل الرقمي القريب والبعيد بعقلية جديدة منفتحة وغير تقليدية خالية من الإنكار والمقاومة حتى لا تفاجئنا التطورات كما يحدث حالياً في مجالات عديدة.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
