Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

التعليم.. ونفسيات المعلمين والطلاب

A A
قبل أكثر من عشرين عاماً، التحقت بأشرف مهنة على وجه الأرض، وتشرفت بمسمى وظيفي -معلمة- وأنعم بها من مهنة، التقيت في مسيرتي التعليمية بشخصيات متعددة ونفسيات مختلفة في شرق المملكة وغربها، اختلفت الإدارات التعليمية، ويبقى الوطن يجمعنا، وهويتنا لا تختلف، وإن اختلفت الظروف والبيئات.

هناك مواقف تُخلَّد في الذاكرة لا تمحى على مر السنين، بعد كل حادثة يتناولها الإعلام عن المعلمين وبيئات التعليم تدور في مخيلتي بعض المشاهد، وكأن شريطاً سينمائياً يُعرض أمام عيني، تلك الطفلة التي لم تتجاوز من عمرها 14 عاماً، يتيمة الأم، تعيش مع زوجة أب لا ترحم، تمَّت عقوبتها في تلك المدرسة بالتشهير والطرد، لأن إدارة المدرسة تحفَّظت عليها بعد التبليغ عنها كونها كلمت شاباً عند باب المدرسة فقط، مما اضطر ولي أمرها لفصلها من المدرسة، ثم أقدمت الفتاة على الانتحار وحرق نفسها في دورة المياه، كنت ألمح ذلك الوجه البريء عند بوابة مديرة المدرسة حزينة كسيرة، والكل يتهامس وينال من سمعتها، وكنت معلمة جديدة، وأتساءل: ما بال هذه الطالبة كل يوم تعاقب ولا تدخل الفصل؟.. ولا يجيبني أحد بتوجيهات من تلك المديرة القاسية المتسلطة، وما علمت بقصتها إلا بعد أن وردنا خبر وفاتها. مَن يتحمَّل ذنب هذه الطفلة التي لم تجد صدراً حنوناً في بيتها، ولم تجد مربية حانية في مدرستها، ولم تجد مَن يعالج مشكلتها بحكمة وروية وحلم، رحماك ربي من ألم لازال يعتصر قلبي، كلما تذكرت ملامح تلك الطفلة.

مَن يُحاسب معلمة تتطاول على زميلتها بكلمات بذيئة، واتهامات في سمعتها، وقد يصل الأمر إلى تطاول بالأيدي، مَن يُعيد النظام والاحترام إلى بعض البيئات التعليمية التي فقد فيها الضبط بسبب ضعف في العقوبات والجزاءات، ومَن يُعالج نفسية مَن يتعرض للاضطهاد والظلم، والكيد والمكر، والاقصاء والتهميش، والتعصب القبلي والمناطقي. أعرف الكثير من المشاكل وعانيت من بعضها بسبب تسلط وتجبر قيادات إدارية تحسب أن المكان والزمان ملكٌ لها، وتتمادى في تسلُّطها، ولا رادع لها، ولكن تنام العيون، وعيون المظلوم المقهور لا تنام، ترتفع بالدعوات أكفٌّ تعلم يقيناً أن الله لن يضيعها.

عندما تفتقد أجواء المحبة والاحترام في البيئات التعليمية، يظهر لنا طلاب لا ينتمون للمكان ولا الزمان، ويفقدون احترامهم لمعلميهم، كنا إذا مرت المعلمة من جوارنا تخفق قلوبنا وجلاً ومحبة وتقديراً، ومازال احترامنا لذلك الجيل من المعلمات قائماً لا يتغير ولا يتبدل. نحتاج لاستحداث لائحة خاصة بالكشف على النفسيات، وهل مَن يقومون بالعمل التربوي التعليمي مُهيَّأون نفسياً للتعامل مع البشر؟.. الأمر ليس هيّناً، ويحتاج لقراراتٍ مصيرية تتعلق بأغلى ما نملك، فالأمانة عظيمة وتربية النشء لابد أن تكون في أيدي أشخاص مؤهلين علمياً وأسوياء نفسياً

.

مَن ثبت عليه التعدي على الآخرين، سواء كان قائداً او معلماً أو طالباً، لابد أن تطاله عين العدالة والإنصاف، ويُطبَّق عليه القانون، ويُعاقَب ويُقصَى مِن مَكانه، ولا يكون له عذر في إلحاق الأذى بالآخرين، فالله تعالى لا يرضى بأن يعيش الناس تحت طائلة الإحساس بالظلم، وكل مَن ولَّاه الله أمراً، وشق على الناس، سيكون عرضة لدعوات مُباركة من النبي -عليه الصلاة والسلام-: (اللهم مَن وُلِّيَ مِن أَمر أُمَّتي شيئاً، فشق عليهم، فاللهم اشقق عليه).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store