Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
سامي سعيد حبيب

الإعلام العالمي المضلل

A A
الأصل في الإعلام أن يكون ذا مصداقية راسخة، سواءً في النقل للأحداث أو في تحليل أبعادها، بعيدا عن الانتقائية والعنصرية والتحيُّز الأعمى، وذا مرجعية عريقة للناقل، والذي يجب أن يكون محايدا فيما ينقل من أخبار، وذا مهنية منضبطة، نائيا بنفسه عن تعمُّد الكذب والتضليل، أو نشر أنصاف الحقائق. كل ذلك أصبح في دنيا اليوم مطلبا عزيزا.

فالمُتَابِع للإعلام التقليدي، يُجابَه بواقعٍ مغاير ومتناقض مع ذلك المطلب. فلديه من التحيُّز ما يقلب الحقائق رأسا على عقب، فيرى الإعلام الغربي مثلا -ومن سار على نهجه- الحجر في يد الطفل الفلسطيني سلاحا يُهدِّد الوجود اليهودي المغتصَب في فلسطين، ويُبرِّر قتل الجيش الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين بطائرات إف-16 والأباتشي والطائرات الموجهة، ودبابات المركافا، وإمطارهم بالفسفور الأبيض لحرقهم حتى العظام بأنه دفاعا عن النفس، ولا بأس لديه في أعمال الإبادة والتطهير العرقي، إن كان الضحية من مسلمي الروهينجا بمانيمار، والمجرمين من جيش تلك الدولة المارقة، وكل مَن يُؤازرهم من الرهبان البوذيين، معتبرين ذلك عملا قوميا.

الأمثلة على الأكاذيب الإعلامية مِن قِبَل كُبريات مؤسسات الإعلام العالمية كثيرة، كمثل الكذب المتعمد لسقوط مبنى رقم 7 في 11 سبتمبر 2001، ومن ثم نقل أحداث الحرب على العراق في مارس 2003، (مبنى 7، غير البرجين اللذين تم استهدافهما بالطائرات، ويفصل بينه وبينهما شارع عريض، ولم تستهدفه طائرة المهاجمة، وإلى الآن) ودور محطتي الـ(سي إن إن)، والـ(بي بي سي) المخزي في تضليل الرأي العام العالمي عن حقيقة سقوط المبنى المعني، وعن حقيقة الحرب الصليبية البشعة على العالم العربي والإسلامي، دورٌ مخز، قائمٌ إلى اليوم ومنذ أن شنَّت الولايات المتحدة وحلفاؤها غاراتها على أفغانستان في أكتوبر 2001، كردٍّ فِعل على عملية 11 سبتمبر، حسب الرواية الرسمية الأمريكية، التي تتناقض مع الدراسات، وكان نتاج ردِّة الفعل هذه قُتل الملايين من المسلمين وتدمير البيئة، وإتلاف البنية التحتية، فتسببت وقتلت مئات الآلاف في العراق، وقد حجبت تلك المؤسسات الإعلامية -في تغطيتها- الحقيقة الناصعة عن الناس، وتسبَّب هذا النفاق الإعلامي في دفع الناس حول العالم للجوء إلى ما يُسمَّى «الإعلام الموازي»، أو «البديل»، مستفيدين ممَّا تُوفِّره تقنيات الشبكة العنكبوتية.

في أحد مشاهد تغطية خبر «سقوط» المبنى 7، كان هارون براون، من «سي إن إن»، يُحاول جاهدا أن يُطابق بين ما كان يسمعه من وصف لسقوط المبنى، وبين ما كان يراه بأم عينيه، فالمبنى لم يزل قائما في موقعه، ولم يسقط إلا بعدها بساعة من الزمان.

وفي تغطية أخرى لـ(بي بي سي) على بعض أحداث الصدام الليبي- الليبي 2011 بالساحة الخضراء بليبيا، أظهرت خلفية المقطع، الثوار الليبيين وهم يُلوِّحون بالأعلام الليبية القديمة (علم الملك الإدريسي)، لكن اتضح بعد التدقيق أن خلفية المقطع كانت تجمع مجموعة من الهنود –وليسوا ثوارا ليبيين- يحملون العلم الهندي ذا الثلاث مستطيلات (البرتقالي والأبيض والأخضر)، في حين أن العلم الليبي القديم ذو ثلاث مستطيلات أيضا ولكن تتكون ألوانه من (الأحمر والأسود والأخضر)، وأن الساحة ليست الساحة الخضراء بطرابلس.

إن نشر الأنباء والبيانات مسؤولية كبرى أمام الله أولا؛ ثم أمام القارئ ثانيا، ويجب على المسلم تحرِّي المصادر الموثوقة، والحرص على التحليلات الرصينة حتى تتكون لديه ما يُسمَّى بالإحساس الصادق بمصداقية ما يقرأ وما ينقل، وما يُرسل وما يكتب، حيث يقول تعالى مُحذِّرا عباده: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store